الحصر فيه أيضاً موجودٌ لكنه غير مُلاحَظٍ، فهو حاصلٌ غير مقصود" (?).
من خلال ما تقدَّم ذكره ومناقشته من اتجاهات الأصوليين في بيان الفرق بين تنقيح المناط والسَّبْر والتقسيم يترجَّح - والعلم عند الله - أن السَّبْر والتقسيم ليس دليلاً مستقلاً على العِلِّية يختصُّ بالأوصاف المستنبَطة، بل يدخل الاستدلال به في أكثر طرق إثبات العِلَّة بوجهٍ أو بآخر، ومن ذلك مسلك النصِّ ومسلك الإيماء والتنبيه اللَّذَان تعلَّق بهما الاجتهاد في تنقيح المناط.
وعلى هذا يعتبر السَّبْر والتقسيم دليلاً خادماً للاجتهاد في العِلَّة الذي أحد أضربه الاجتهاد في تنقيح المناط، فالسَّبْر والتقسيم أعمُّ وأشمل من تنقيح المناط، حيث يشمل الاستدلال به مسالك العِلَّة المنصوصة والمستنبَطة، أما تنقيح المناط فهو يختصُّ بالاجتهاد في الأوصاف التي دلَّ عليها ظاهر النصِّ، وقد يُحتاج في بعض صوره إلى استعمال دليل السَّبْر والتقسيم كما في النوع الثاني من تنقيح المناط.
فالمجتهد في هذا النوع يحصر الأوصاف التي دلَّ عليها ظاهر النصِّ، ثم يختبرها ويبطل ما لا يصلح منها للعِلِّية، فيتعين الباقي عِلَّةً للحُكْم، ويكون بذلك اسْتُعْمَل دليل السَّبْر والتقسيم في هذا النوع من تنقيح المناط، ولكن لتهذيب العِلَّة وتعيينها، وليس لاستخراجها كما هو الحال في العِلَل المستنبَطة، كما سيأتي بيانه في تخريج المناط (?).