السَّبْر يجب فيه حصر الأوصاف الصالحة للعِلِّية ثم إلغاؤها ما عدا ما ادُّعيَّ عِلِّيته، وتنقيح المناط بالمعنى المذكور إنما يُلاحَظ فيه الأوصاف التي دلَّ عليها ظاهر النصِّ، وإن كان الحصر فيه أيضاً موجودٌ لكنه غير ملاحَظٍ فهو حاصلٌ غير مقصود، وحينئذٍ فلا يقال مع عدم الحصر لا يتأتَّى معرفة الصالح للعِلِّية من غيره حتى يُحذْفَ غير الصالح عن الاعتبار" (?).
الاتجاه الثاني: ذهب إلى أن تنقيح المناط لا يجب فيه تعيين العِلَّة، أما السَّبْر والتقسيم فلابد من تعيين الجامع، والاستدلال على العِلِّية.
وهذا مبنيٌّ على تعريف تنقيح المناط بأنه: الإلحاق بإلغاء الفارق، وذلك بأن يقال: هذا الحُكْم لابدَّ له من عِلَّة، وهي إما المشترك بين الأصل والفرع أو المختصُّ بالأصل، والثاني باطل؛ لأن الفارق ملغي، فيتعيَّن الأول، فيلزم ثبوت الحُكْم في الفرع لثبوت عِلِّيته فيه (?).
قال ابن السبكي: " فإن قلت: هذه الطريقة بعينها هي طريقة السَّبْر والتقسيم، قلت: كذا قال الإمام، ولكن يمكن أن يُفرَّق بينهما بأن السَّبْر والتقسيم لابدَّ فيه من تعيين الجامع والاستدلال على العِلِّية، وأما هذا فلا يجب فيه تعيين العِلَّة، ولكن ضابطه أنه لا يحتاج إلى التعرُّض للعِلَّة الجامعة، بل يُتَعَرَّض للفارق، ويُعْلَم أنه لا فارق إلا كذا، ولا مدخل له في التأثير " (?).
وقال الشوكاني: "وقد زعم الفخر الرازي أن هذا المسلك هو مسلك السَّبْر والتقسيم فلا يحسُنُ عدُّه نوعاً آخر، ورُدَّ عليه بأن بينهما فرقاً ظاهراً، وذلك أن الحصر في دلالة السَّبْر والتقسيم لتعيين العِلَّة إما استقلالاً أو اعتباراً، وفي تنقيح المناط لتعيين الفارق وإبطاله، لا لتعيين العِلَّة " (?).
الاتجاه الثالث: ذهب إلى أن تنقيح المناط هو استخراج العِلَّة بطريق السَّبْر والتقسيم.