إلا بعد استنشاق رائحة المعنى الذي هو مناط الحُكْم، وإن لم يُطلَّع بَعْدُ على تحديدْه أو تعيينه " (?).
ولهذا المعنى عَدَّ ابن السبكي " إلغاء الفارق " ضمن مسالك العِلَّة، وذكر أنه يرجع إلى ضرب شبه؛ لأنه يحصل به ظن العِلِّية في الجملة (?).
وإذا كان "إلغاء الفارق "لا يخلو من وجود معنىً جامعٍ مجملٍ بخلاف "تنقيح المناط" الذي لابد فيه من تعيين المعنى الجامع، فقد قيَّد الغزالي المواضع التي يُحْذَف فيها تأثير الفارق، ويجوز الإلحاق به دون تنقيح المناط واستنباط العِلَّة وتعيينها، حيث قال: "والطريق الأول الذي هو التعرُّض للفارق ونفيه ينتظم: حيث لم تُعْرف عِلَّة الحُكْم، بل ينتظم في حُكْمٍ لا يُعَلَّل، وينتظم حيث عُرِف أنه مُعَلَّل، لكن لم تتعين العِلَّة، فإنا نقول: الزبيب في معنى التمر في الرِّبا قبل أن يتعين -عندنا- عِلَّة الرِّبا أنه الطعم أو الكيل أو القوت، وينتظم حيث ظهر أصل العِلَّة وتعيَّن -أيضاً- ولكن لم تتلخَّص بَعْدُ أوصافه، ولم تتحرَّر بَعْدُ قيوده وحدوده" (?).
من خلال ما سبق من المقارنة بين اتجاهات الأصوليين في بيان العلاقة بين تنقيح المناط وإلغاء الفارق فإنه يترجَّح -والعلم عند الله- أن "إلغاء الفارق" إذ أُظْهِر معه حذف خصوصية الوصف الذي دلَّ ظاهر النصِّ على عِلِّيته صراحةً أو إيماءً، وأنيط الحُكْم بالمعنى الأعمِّ بعد تعيينه، فهو أحد صور تنقيح المناط.
قال الغزالي: " وإنما الشأن في تنقيح المناط وتلخيصه وتجريده عن كلِّ ما لا مدخل له في الاعتبار، وتقييده بكلِّ وصفٍ له دَخْلٌ في الاعتبار، حتى يصير محدوداً مميزاً لا يدخل فيه ما ليس منه، ولا يخرج منه ما هو مناطٌ