في معتقدهم على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده، فهم بنبيّهم محمد صلى الله عليه وسلم مقتدون، وعلى منهاجه سالكون، ولطريقته مقتفون، وعن الأهواء والبدع المضلّة معرضون، وعلى الصراط المستقيم والمحجّة البيضاء سائرون، يوصي بذلك أولُهم آخرَهم، ويقتدي اللاحقُ بالسابق؛ ولهذا "لو طالعتَ جميع كتبهم المصنّفة من أوّلهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم - مع اختلاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد ما بينهم في الديار، وسكون كلّ واحد منهم قطراً من الأقطار - وجدتَهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمطٍ واحد، يجرون فيه على طريقة واحدة، لا يحيدون عنها، ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد، ونقلهم واحد، لا ترى بينهم اختلافاً، ولا تفرّقاً في شيء ما وإن قلّ، بل لو جمعتَ جميعَ ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنّه جاء من قلب واحد، وجرى على لسانٍ واحد"1، والسبب في ذلك هو لزوم الجميع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبُعدُهم عن الأهواء والبدع، فهم كما قال الأوزاعي - رحمه الله -: "ندور مع السنة حيث دارت"2، فهذا شأنهم وديدنُهم، يدورون مع السنة حيث دارت نفياً أو إثباتاً، فلا يثبتون إلاَّ ما ثبت في الكتاب والسنة، ولا ينفون إلاَّ ما نفي في الكتاب والسنة، لا يتجاوزون القرآن والحديث.
وهؤلاء الأئمة لم يكفّوا عن الخوض فيما خاض فيه من سواهم لعجز منهم عن ذلك أو لضعف وعدم قدرة بل الأمر كما قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -: " ... فإنَّ السابقين عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفّوا، وكانوا هم أقوى على البحث ولم يبحثوا"3. ومن كان على نهج هؤلاء فهو في طريق آمنة