كنت أعرض على عمر بن عبد العزيز كتبي في كل جمعة، فعرضتها عليه فأخذ منها قرطاسا قدر شبر أو أربع أصابع بقي، فكتب فيه حاجة له. فقلت غفل أمير المؤمنين. فلما كان من الغد بعث إلي أن تعال وجئ بكتبك، فجئته بها، فبعثني في حاجة، فلما جئت قال: ما آن لنا أن ننظر كتبك بعد. قلت: لا، إنما نظرت فيها أمس. قال خذها حتى أبعث إليك. فلما فتحت كتبي وجدت قرطاسا قدر قرطاسي الذي أخذ1.
واشتهى يوما اللحم فأرسل غلامه بقطعة يشويها ليأكل فيقيم بذلك أوده، فرجع الغلام بها سريعا، فقال له عمر: "أسرعت بها؟ قال شويتها في نار المطبخ وكان للمسلمين مطبخ يغديهم فيه ويعشيهم. فقال لغلامه: كلها يا بني فإنك زرقتها ولم أرزقها2. فتورع عن أكلها لأنها شويت في مطبخ المسلمين، وتركها لغلامه ليأكلها، وهو واحد من الرعية، له حق في مطبخ العامة رحمه الله.
وهناك أمثلة أخرى يذكرها المؤرخون لورع عمر بن عبد العزيز رحمه الله كلها تدل على مدى اتصاف هذا الخليفة الراشد بصفة الورع، وحبه له، أملاً فيما عند الله حيث اعتبر أن البعد عن أموال المسلمين حتى