ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه في الغار {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 1 كان هذا أيضا حقا على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الاطلاع، والنصر والتأييد.

وكذلك قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} 2 كذلك قوله لموسى وهارون {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} 3 هنا المعية على ظاهرها، وحكمها في هذه المواطن النصر والتأييد.

وقد يدخل على الصبي من يخيفه فيبكى فيشرف عليه أبوه من فوق السقف فيقول: لا تخف؛ أنا معك أوأنا هنا، أو أنا حاضر ونحو ذلك. ينبهه على المعية الموجبة بحكم الحال دفع المكروه؛ ففرق بين المعية ومقتضاها؛ وربما صار مقتضاها من معناها؛ فيختلف باختلاف المواضع4.

فلفظ (المعية) قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع، يقتضي في كل موضع أموراً لا يقتضيها في الموضع الآخر؛ فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها -وإن امتاز كل موضع بخاصية- فعلى التقدير ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب عزوجل مختلطة بالخلق. حتى يقال قد صرفت عن ظاهرها5.

ونظيرها من بعض الوجوه (الربوبية، والعبودية) فإنهما وإن اشتركتا في أصل الربوبية والعبودية فلما قال {رَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} 6 كانت ربوبية موسى وهارون لها اختصاص زائد على الربوبية العامة للخلق، فإن من أعطاه الله من الكمال أكثر مما أعطى غيره فقد ربه ورباه ربوبية وتربية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015