ثمَّ انقسم هَؤُلَاءِ الوضاعون بِحَسب اخْتِلَاف أغراضهم وظنونهم على أَقسَام.
الأول: قوم من الزَّنَادِقَة قصدُوا إِفْسَاد الشَّرِيعَة وإيقاع الْخَلْط والخبط فِي الْأمة كَمَا نقل عَن عبد الْكَرِيم ابْن أبي العوجاء حَيْثُ أَخذ وَأمر بِضَرْب عُنُقه. قَالَ: وَالله لقد وضعت فِيكُم أَرْبَعَة آلَاف حَدِيثا أحرم فِيهَا الْحَلَال وأحلل الْحَرَام. وَعَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان قَالَ سَمِعت الْمهْدي يَقُول: أقرّ عِنْدِي رجل من الزَّنَادِقَة أَنه وضع أَرْبَعمِائَة حَدِيث تجول فِي أَيدي النَّاس، وَقَالَ حَمَّاد بن زيد: وضعت الزَّنَادِقَة أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث، وَهَذِه الْفرْقَة شابهت الْيَهُود وَالنَّصَارَى حَيْثُ حرفوا الْكتب الإلهية، وأسقطوا مِنْهَا مَا شاؤا وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِم فِيهَا مَا شاؤا، وَقَالُوا: هَذَا من عِنْد الله ليشتروا بِهِ ثمنا قَلِيلا من أتباعهم ومقلديهم. وَقد حكى الله سُبْحَانَهُ عَمَلهم هَذَا فِي الْقُرْآن فِي غير مَوضِع مَعَ تقبيح أَعْمَالهم والتشنيع على أفعالهم، وَلما من الله على هَذِه الْأمة بِأَن تكفل لحفظ كَلَامه بِنَفسِهِ حَيْثُ قَالَ: {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} . لم يقدر أحد من الْكفَّار والأشرار على تَغْيِير حرف أَو نقطة من كَلَامه فضلا عَن تَحْرِيف زَائِد عَلَيْهِ وَمن آثَار ذَلِك التكفل مَا وهب الله لهَذِهِ الْأمة من قُوَّة الْحِفْظ فحفظ كَلَامه بِتَمَامِهِ فِي كل عصر جمع لَا يُحْصى عَددهمْ حَتَّى النِّسَاء وَالصبيان، فَمنع ذَلِك الْكَافرين والملحدين عَن تَحْرِيف كَلَامه بِزِيَادَة أَو نُقْصَان خوفًا من أَن تكذبهم حفاظ الصّبيان، وَمن ثمَّ ترى الْكفَّار وأعداء الدَّين الإسلامي يستكتبون الْقُرْآن ويكتبونه ويطبعونه وَلَا يُغير أحد مِنْهُم شَيْئا مِنْهُ مَعَ قدرتهم عَلَيْهِ وميل طبعهم إِلَيْهِ بل يهتمون فِي تَصْحِيحه أَزِيد من الاهتمام فِي الْكتب الْأُخَر العلمية خوفًا من أَن تتعقبهم أَطْفَال الْأمة المحمدية. وَلما كَانَ وُقُوع كل مَا ارتكبته الْأُمَم الْمَاضِيَة من الْأَفْعَال الردية بِنَفسِهِ أَو بنظيره فِي هَذِه الْأمة أمرا مُقَدرا كَمَا أخبر بِهِ النَّبِي بقوله ((لتركبن سنَن من كَانَ قبلكُمْ شبْرًا بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ)) ]] ]] ]] ] الحَدِيث. تَوَجَّهت ملاحدة هَذِه الْأمة إِلَى أَمريْن