"جبلت القلوب على حبِّ من أحسن إليها، وبُغض من أساء إليها" 1 وعن حظ نفسه وتبقى خسارته في الدنيا، والعقبى {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: 76] وفي الترمذي مرفوعًا: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعد حين"2، وحُكِي: أن الأمير نوحًا لما وضع الخراج على أهل سمرقند، بعث بريدًا إلى أميرها، فأحضر الأئمة، والمشايخ، وأعيان البلد، وقرأ عليهم الكتاب، فقال الفقيه أبو منصور الماتريدي للبريد: قد أديت رسالة الأمير، فاردد إليه الجواب، وقل له: زدنا ظلمًا حتى نزيد في دعاء الليل، ثم تفرقوا فلم تذهب إلا أيام حتى وجدوه قتيلًا وفي بطنه زج رمح مكتوب:
بغى والبغي سهامٌ تنتظر ... أتته من أيدي المنايا والقَدَر
سهامٌ أيدي القانتاتِ في السَّحر ... يرمين عن قوسٍ لها الليل وَتَر
ولا شك أنَّ كلَّ خيرٍ وصلاح داخل في القسط والعدل، وكل شر وفسادٍ داخل في الظلم، والظلم يتفاوت، وبعضه أشد ضررًا من بعض، فهو في جميع أنواعه وأفراده ممنوع، ينفر عنه الطبع السليم، وتأباه الفطرة، وكذلك يمتنع عمومًا من حيث متعلقه، سواء كان الظلم ظلمًا لمسلم، أو لكافر، قريبٍ، أو بعيدٍ، صاحب، أو عدو، اعتدى عليك أم لم يعتد. فهو محرم في كل شيء، ولكل أحد. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} [المائدة: