الوقت، كأن يُقال: لا تقبض روحه إذا رضي. ثم ذكر جواباً ثالثاً، وهو: احتمال أن يكون معنى التردد: اللطف به، كأن الملك يؤخر القبض، فإنه إذا نظر إلى قدر المؤمن، وعظم المنفعة به لأهل الدنيا؛ احترمه، فلم يبسط يده إليه، فإذا ذكر أمر ربه؛ لم يجد بداً من امتثاله، وجواباً رابعاً، وهو: أن يكون هذا خطاباً لنا بما نعقل، والرب منزه عن حقيقته، بل هو من جنس قوله: "ومن أتاني يمشي أتيته هرولة" فكما أن أحدنا يريد أن يضرب ولده تأديباً، فتمنعه المحبة، وتبعثه الشفقة، فيتردد بينهما، ولو كان غيرالوالد كالمعلم لم يتردد، بل كان يبادرإلى ضربه لتأديبه، فأريد تفهيمنا تحقيق المحبة للولي بذكرالتردد، وجوزالكرماني احتمالاً آخر، وهو: أن المراد: أنه يقبض روح المؤمن بالتأني والتدريج، بخلاف سائر الأمور، فإنها تحصل بمجرد قوله: "كن" سريعاً دفعة، وقال في قوله تعالى: "فإنه يكره الموت وأنا أكره مساءته" أسند البيهقي في الزهد عن الجنيد سيد الطائفة، قال: الكراهة هنا لما يلقى المؤمن من الموت وصعوبته وكربه، وليس المعنى: أني أكره له الموت؛ لأن الموت يورده إلى رحمة الله ومغفرته. انتهى. وعبَّر بعضهم عن هذا بأن الموت حتمٌ مقضيٌ، وهو مفارقة الروح للجسد، ولا تحصل غالباً إلا بألم عظيم جداً، كما جاء عن عمرو بن العاص: أن ابنه سأله -وهو يموت- عن حقيقة الموت، فقال: والله لكأن جنبي في تخت، ولكأني أتنفس من خرم إبرة، وكأن غصن الشوك يجر به من قامتي إلى هامتي، وعن كعب أن عمر سأله عن الموت، فوصفه له بنحو هذا، فلما كان الموت بهذا الوصف، والله يكره أذى المؤمن، على ذلك الكراهة. ويحتمل أن تكون المساءة بالنسبة إلى طول الحياة؛ لأنها تؤدي إلى أرذل العمر، وتنكس الخلق، والرد إلى أسفل سافلين.
وجوَّز الكرماني1 أن يكون المراد: أكره كرهه الموت، فلا أسرع بقبض روحه، فأكون كالمتردد، قال الشيخ أبو الفضل بن عطاء في هذا الحديث عظم قدرالولي لكونه خرج عن تدبيره إلى تدبير ربه، وعن انتصاره لنفسه إلى انتصارالله له، وعن حوله وقوته بصدق توكله. انتهى. قال الحافظ ابن رجب: وأما الأنبياء فلا يُقبضون حتى يخبروا. قال الحسن: لما كرهت الأنبياء الموت؛ هوَّن الله عليهم بلقائه لما أحبوه من تحفة وكرامة، حتى إن نفس أحدهم تنزع من بين جنبيه، وهو يحب ذلك لما قد مثل له، وقالت عائشة: ما أغبط أحداً يهون الله عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت