الجسد. واحتجَّ القائلون بالدماغ بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل. والجواب: أن الله تعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ، مع أن العقل ليس فيه، ولاامتناع في هذا.
وهو قسمان: غريزي ومكتسب. فالغريزي-أي: الجبلي، والطبيعي- هو: العقل الحقيقي، وله حد يتعلق به التكليف، لا يجاوزه إلى زيادة، ولا يقصرعنه إلى نقصان. والمكتسب هو نتيجة العقل الغريزي، وهونهاية المعرفة، وصحة السياسة، وإصابة الفكرة، وليس لهذا حد ومنتهى يقف عنده؛ لأنه ينمي، ويزيد إن استعمل، وينقص إن أهمل، وهولا ينفك عن العقل الغريزي؛ لأنه نتيجة منه، وقد ينفك العقل الغريزي عن العقل المكتسب لعدم استعماله، أو لاتباعه الهوى، فيكون صابحه مسلوب الفضائل، موفور الرذائل، كالأحمق الذي لا تجد له فضيلة، والأحمق الذي قلما يخلو من رذيلة.
والساعات: جمع ساعة، وهوالوقت من ليل، أو نهار. والعرب تطلقها وتريديها الحين والوقت وإن قلَّ. والمناجاة: المساررة. يقال: نجوته نجوًا؛ أي: ساررته، وكذا ناجيته. وانتجى القوم، وتناجوا: تسارُّوا؛ وانتجاه: خصَّه بمناجاته، والاسم: النجوى.
وقوله: "رواه ابن حبان" تقدمت ترجمته.
والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى يخبرنا: أن على العاقل المتَّصف بالصفات المميزة له عن الحيوان أن يجعل له في يومه وليلته ثلاث ساعات، وأوقات، ساعة منها يجعلها للمناجاة؛ بأن يناجي ربه، ويتكلم بكلام خفي وسرعن الناس؛ لأن هذه الحالة أقرب إلى قبول المطالب، والدعوات، وأبعد عن الرياء، والسمعة؛ بأن يسأل الله جل ذكره التوفيق للطاعات، وتسهيل الطرق الصعبة، وإبعاده عن المعاصي والرذائل، وحفظه من المصائب، والبلايا، وأن يختم له بسعادة الدارين، وأن يصلح حاله، وحال إخوانه المؤمنين، وأن يرفع البأس، والظلم، والاستبداد، والمطامع من أعدائه المستبدين بالضعيف، والغاصبين حقه، وأن يغلَّ أيدي وألسنة المذبذبين الذي يظهرون الإسلام والإيمان وحب أهلهما؛ وهم في الحقيقة جواسيس للأجانب بأجر تافه، يستبدلون عرض هذه الدنيا بالنعيم الأبدي، والخير السرمدي، والأجر العظيم الذي لا ينقطع، فهم أسوأ الناس في الدنيا الزائلة، ولهم يوم القيامة الخزي، والعار، وأشد العذاب.