الحياة إلى الممات في الدنيا، وبعد الممات إلى الحياة يوم القيامة. وأهون: أسهل، يقال: هان الأمر على فلان: سهل.
والمعنى -والله أعلم-: أن الله عز وجل أخبرنا: أن ابن آدم يشتمه، وينتقصه، بقول لا يليق به، وما ينبغي له أن يشتمه ويتنقصه؛ لأنه خالقه، وباريه، وموجده من العدم بقوله: "كن"، وتولى خلقه في الرحم من مَني إلى نطفه، إلى علقة، إلى مضغة، ثم ينفخ فيه الروح إلى أن يخرج من بطن أمه، ثم يضع في قلب والديه الرأفة، والرحمة، والحنان، فيقبلان على تربيته، والمحافظة عليه إلى أن يفطم، وبعد ذلك ينتقل من طور إلى طور، ومن حال إلى حال، وكل ذلك يراعيه، ويكلؤه، ويقدر له رزقاً، وسعادة، ويسهل له الطرق، ويضمن له العيش، ويكلفه بأمور سهلة يطيقها كل إنسان، حتى إذا ما واظب عليها، وأتى بها تامة مرضية كان له ثوابها، وأجزي على عملها، ورفعت منزلته في الدنيا، ويوم القيامة يدخله الجنة، وينعم عليه بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ومع هذا فإن ابن آدم ينسى هذا كله، ويقابل مولاه بالشتم، والسب، والتكذيب بقوله: لله ولد، وبقوله: ليس يعيدني كما بدأني أول مرة، والمراد بابن آدم: بعض بني آدم، وهم من أنكر البعث من العرب وغيرهم من عباد الأوثان، والدهرية، ومن أدعى أن لله ولداً من العرب أيضًا، ومن اليهود، والنصارى. قال قتادة: إن مشركي العرب قالوا: الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عزيز ابن الله وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فأكذبهم الله سبحانه، وبين أنه منزه عن ذلك، وأنه الواحد الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، وأنه جل ذكره يعيده كما خلقه وبدأه أول مرة، وليس الخلق ابتداء بأهون عليه من الإعادة، بل بالنظر للعادة الجارية المعلومة للعباد أن الإعادة أسهل وأهون من البداءة، وإيجاد الشيء ابتداءً، وعليه: فلا يحق ولا يصح أن يستبعد بعض بني آدم ذلك، بل يستقر به، ويستملحه، ويقربه بدون دليل؛ لأن البداءة هي البعيدة عن العقل، والمستغربة، وهذا بالنسبة للمخلوق؛ وأما بالنسبة للخالق: فليست إحدى الحالتين بأسهل وأهون عليه من الأخرى، بل يقول للشيء: كن، فيكون، فسورة الإخلاص أعظم سورة تنزه الله جل وعلا، وتثبت عقائد التوحيد، وتهدم عقائد الشرك بجميع أنواعه، لذلك أفردها بعض الأئمة بتأليف خاص بها، كشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، وطبعناه، والحمد لله. فيخبرنا الله تعالى أنه الواحد؛ أي: وحدة حقيقية غير قابلة للتعدد والكثرة في ذاته، ولا في ربوبيته، ولا في ألوهيته، ولا في ملكه، فهو غير مركب من أصلين، كما زعمت الثانوية، ولا من ثلاثة أصول، أو أقانيم، كما يزعم المثلثون من قدماء وثنيي