قال أبو عبد الله: فالأخلاق موضوعة في الطبع ومعقلها في الصدر، والأخلاق منها ما هو جبلِّي تفضل الله بها على عبيده على قدرمنازلهم عنده، فمنح أنبياءه منها، فمنهم من أعطاه منها خمسًا، ومنهم من أعطاه منها عشرًا، أوعشرين، وأكثر من ذلك، وأقل، فمن زاده منها؛ ظهر حسن معاملته ربه، وحسن معاملته خَلْقه على قدر تلك الأخلاق، ومن نقصه منها، ظهرعليه ذلك؛ ولهذا ورد في الحديث الذي رواه مالك في الموطأ: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فأخبرنا بقوله هذا: أن الرسل قد مضت، ولم تتمم هذه الأخلاق، كأنه بقيت عليهم من هذا العدد بقية، فأمرأن يتممها، فأعلمنا في قوله هذا: أن تلك الأخلاق التي كانت في الرسل فيه، ثم هو مبعوث لإتمام ما بقى منها ليقدم على الله جل ذكره بجميع أخلاقه التي ذكرها، فلا يجوز لنا أن نتوهم عليه أنه بعث لأمر، فقدم على ربه وهو غيرمتمم له. ومنها ما يكون بطرق الكسب والتعود، وتكلف النفس، وبعثها على ذلك حتى تعتاد نفسه ذلك، ومن كان هذا حاله كان تخلفه طهارة لصدره وقلبه من دنس الخلق السيئ الذي هو ضد هذا الخلق، فإذا تطهر من سيء الأخلاق لتخلقه بمحاسن الأخلاق بجهد، وكدٍّ شكر الله له ذلك، وأدخله الجنة برحمته وعفوه.