ش- التوسيع: خلاف التضييق، والخصال: جمع خصلة؛ أي: حالة، والبعث، والابتعاث: بمعنى الإرسال، والدابة كل ما يدب على الأرض من الحيوان. والمراد به هنا: السوس، وهو الدود الذي يأكل الحب، والخشب، الواحدة: سوسة، فإذا وقع السوس في الحب، فلا يكاد يخلص منه، والقمح، والشعير: معروفان. والكَنز -في الأصل- المال المدفون تحت الأرض، والمراد به هنا: الجمع، والادخار، والتغيير والتبديل في حالة إلى أخرى. والحميم: القريب الذي يهتم لأمرك، والسلب: نزع الشيء من الغير على القهر، والحزن -بضم الحاء المهملة، وسكون الزاي، وبفتحها-: ضد السرور، والسلو: الصبر، يقال: سليت عن كذا، وسلوت عنه، وتسليت: إذا زالت عنك محبته.

والمعنى -والله أعلم-: أن الله تبارك، وتعالى أخبر أنه توسع على عباده بخصال ثلاثة، ولم يضيق عليهم -كرماً منه، ورحمة بهم- الخصلة الأولى: أن الله جل وعلا بعث وأرسل الدابة -التي تسمى السوس- على القمح والشعير وسلطها عليهما؛رحمةً بالعباد، ورأفة بهم؛ لأنهما قوت العباد الضروري لهم ولو لم يفعل ذلك بل حفظهما كباقي أنواع الأصناف الأخر لاجتهد الناس في كنزهما، وادخارهما، والحرص على إخفائهما عن أعين الناس، إما لشدة حاجة الناس إليهما، فبيعهما المدخر بثمن متفاحش جدًا، أو ليأتي يوم تصيب الزرع آفة سماوية، أو أرضية، فيقل القمح والشعير، فلا يجدهما الإنسان ولو بثمن متفاحش، فيخرجهما المدخر، ويقتات هو وعياله ودوابه منهما، فلا يحتاج حينئذ، وفي كل منهما مشقة، وحرج، وتضييق على الناس، فسهل الله للعباد، وأرسل هذه الدودة، وسلطها عليهما لئلا يدخر أحد منهما شيئًا سنين، فيضيق الناس، ويحرجون فسبحانه من إله ما أكرمه، وأحلمه، وألطفه، وأرأفه بعباده!

الخصلة الثانية: تغيير الجسد بعد الموت، وتبديله من حالة مرضية مقبولة إلى حالة نتن، وقذر تعافه النفوس، ولا تتمكن من الإقبال إليه، والاستمتاع به، كما كان قبل الموت، فيتبدل إلى جيفة تنفر منها الطباع، وتشمئز منها النفوس، ويتمنون زوالها من بين أيديهم، وإبعادها عنهم، ولو كان الجسد جسد أحب الناس إليهم، وأرضاه عندهم، وأقربه لديهم، وذلك رفق بالناس، ورحمة بهم، وتوسعة، ولولا ذلك لما دفن صديق قريب صديقه القريب، وشحَّ بدفنه، وجعله معه يتردد إليه، ويتمتع بجسده الفاني، ولربما تغالى في حبه، وتعظيمه، والثناء عليه، فيحفظه من أن تمتد إليه يد بسوء، فيموت الآخر، وهكذا، فتضيق الدنيا على أهلها، فيكون الحرج، والمشقة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015