تلك العقوبة بعد مدَّة. الثالث: أن يقضي ذلك التعذيب نوعًا من التشفي، وهذا القيد لا يحصل إلا في حق الخالق، أما في حق الخلق. فهو محال.
واعلم أنَّ الانتقام أشد من المعالجة بالعقوبة، فإن المذنب إذ عوجل بالعقوبة لم يتمكن في المعصية، فلم يستوجب غاية النكال في العقوبة، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:55] وأيضًا قد سمى الله تعالى تكرار إيجاب الكفارة في تكرار المحرم أخذ الصيد انتقامًا قال: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة:95] وهو قريب من قوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} [النساء:160] الآية، أما حظ العبد منه: فقال الغزالي: انتقام العبد إنما يكون محمودًا إذا انتقم من الأعداء، وأعدى عدوه نفسه التي بين جنبيه، فلا جرم يجب عليه أن ينتقم منها.
والبغضُ: تقدَّم الكلام عليه، فأغنى عن إعادته، وقوله: "أنتقم ممن أبغض" يعني: أن الله سبحانه وتعالى يُعاقب من يبغضه بارتكاب المعاصي، وسوء الأعمال بمن يبغض من خلقه كذلك؛ أي: أن الله تبارك اسمه يولي الظالمين بعضهم بعضًا، وهكذا نطقت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية بذلك، والشاهد يؤيدالواقع، فإن غالب الأمم الإسلامية في عصرنا الحاضر يتولاها الظالمون، وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. نسأل الله السلامة من الحرب الحاضرة التي وقعت في شهر رجب سنة ثمان وخمسين وثلاثمئة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها ألف صلاة وتحية، بين الألمان، وبولندة، ودخلت معها الروس بزعم أنها تحامي عن الأقلية الروسية الموجودة فيها، ولربما تشترك فيها باقي الأمم الغربية والشرقية، ولا ينفع المسلمين في هذه الظروف إلا تحابيهم، وتوادهم، ومعاونة بعضهم بعضًا، وعلى الأغنياء أن يواسوا الفقراء؛ والأقوياء يساعدوا الضعفاء. ورجوعهم إلى الله عز وجل بالتوبة، والإنابة، والإخلاص في الأعمال، والإقلاع عن المعاصي، والمفاسد، والتباعد عن الشقاق، والفتن، والتحفز للأخذ بيد المظلوم من الظالم الغاشم المستبد، فلعل ذلك بكفل لنا النجاح إن شاء الله تعالى، ويسلمنا.