كنت كذلك، فقدجمع الله لك ما تحتاجه من الدنيا، فدع عنك ما عداه، واشتغل بما يقربك إلى الله.

قال الغزالي1: ومهما تأملت الناس كلهم وجدتهم يشكون، ويتألمون من أمورٍ وراء هذه الثلاث، مع أنه وبالٌ عليهم، ولا يشكرون نعمة الله فيها. ومرَّ سليمان عليه السلام على بلبل بشجرة يحرك رأسه، ويميل ذنبه، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: الله ونبيه أعلم. قال يقول: أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء، وصاحت فاختة فأخبر أنها تقول: ليت ذا الخلقِ لم يخلقوا. وقال صالح بن جناح2 لابنه: إذا مرَّ بك يوم وليلة وقد سَلِم فيهما دينك ومالك، وبدنك، وعيالك؛ فأكثر الشكر لله، فكم من مسلوب دينه ومنزوع ملكه ومهتوك ستره ذلك اليوم وأنت في عافية، ومن هنا نشأ زهد الزاهدين فاستراحت قلوبهم بالزهد، واكتفوا بالورع عن الكد وتفرغت قلوبهم وأعمالهم لبذل الجد في سبيل الحمد، ومُيِّز القريب من البعيد، والشقي من السعيد، والسادة من العبيد، وهذا هو المهيع الذي قبض بسطةَ وجوه القلوب فلم يبق للعاقل حظٌ فيما زاد على كسرة تكسر شهوته، وسترة تواري عورته، وما زاد متجر، إن أنفقه ربحه، وإن ادَّخره خسره.

وفيه حجة لمن فضَّل الفقر على الغنى. وقد أفاد مطلع الحديث: أن الصحة نعمة عظيم وقعها، جزيل نفعها. بل هي أجل النعم على الإطلاق، وإشعاره إعلام بأن العالم ينبغي له ألا يغفل عن وعظ الناس؛ إذ الإنسان لما جبل عليه من الغفلات لابدَّ له من ترغيب يشده، وترهيب يرده، ومواعظ ترققه، وأعمال تصدقه، وإخلاص يحققه، لترتفع أستارُ الغفلة عن عيون القلوب، وتكتسب الأخلاق الفاضلة لتصقل الصدأ عن مرائي النفوس. ولقد هز القلوب بحسن هذا النظم، وبلاغة تناسبه، وبراعة ربطه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015