المؤمنين يجازون بسيائتهم في الدنيا، وتدخر لهم حسناتهم في الآخرة، فيوفون أجورهم، وأما الكافر: فإنه يعجَّل له في الدنيا ثواب حسناته، وتدَّخر له سيئاته، فيعاقب بها في الآخرة، ويوفيه جزاءها من خير، أو شر، فالشر يجازى به مثله من غير زيادة إلا أن يعفو الله عنه، والخير تضاعف الحسنة عنه بعشرة أمثالها إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا يعلم قدرها إلا الله، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] أفاده الحافظ ابن رجب.
وقله: "فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" أي: فمن وجد ما يثاب عليه من الخير فليحمد الله تعالى على توفيقه لطاعته، وليعلم أنه من فضل الله ورحمته، ومن وجد غير ذلك الخير -وهو الشر- أو ما لا ثواب عليه؛ فلا يلومن إلا نفسه ولذا ورد: "ليس بتحسر أهل الجنة يوم القيامة إلا على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله تعالى فيها" 1، فمن وجد غير محض الخير، ولو لم يكن صريح الشر؛ ينبغي أن يلوم نفسه في مقام المراقبة، وحال المحاسبة، ولذا قال الشيخ البستي:
زيادةُ المرءِ في دنياه نقصان ... وربحُه غير محضِ الخير خُسران
فلا يلومن إلا نفسه لبقائها على الظلمة الأصلية لها، فآثرت شهواتها، ومستلذاتها على رضا خالقها، ورازقها، فكفرت بنعمه، ولم تذعن لحكمه، فاستحقت أن يعاملها ربها بمقتضى عدله، وأن يحرمها من أيادي كرمه وفضله.
ففي الحديث إشارة إلى أن الخير كله فضل من الله على عبده من غير استحقاق، والشر كله من عند ابن آدم من اتباع هوى نفسه، كما قال عز وجل: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] فالله سبحانه وتعالى إذا أراد توفيق عبد، وهدايته أعانه، ووفقه لطاعته، وكان ذلك فضلاً منه ورحمة؛ وإذا أراد خذلان عبد وكَّله إلى نفسه، وخلى بينه وبينها، فأغواه الشيطان لغفلته عن ذكر الله فاتبع هواه، وكان أمره فرطًا. وكان ذلك عدلًا منه، فإن الحجة قائمة على العبد بإنزال الكتب، وإرسال الرسل، فما بقي لأحد من الناس على الله حجة بعد الرسل ... إلخ.
وقوله: "فمن وجد خيرًا.. إلخ" يحتمل أن يكون ذلك في الدنيا، ويحتمل أن يكون ذلك في الآخرة. أما الأول فيكون حينئذ مأمورًا بالحمد لله على ما وجده من جزاء