فِرَارًا وَاحْتِيَالًا لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَتْلَفَهَا فَمَاتَ، فَلاَ شَيْءَ فِي مَالِهِ» (?).
وهذه المسألة السابقة تتعلق بالحيلة في إسقاط الزكاة. وقد كرر البخاري قول: «بَعْضُ النَّاسِ» ثلاث مرات، يفصل بين كل موضع بحديث.
يَقُولُ الكِرْمَانِيُّ: «ذَكَرَ البُخَارِيُّ فِي هَذَا البَابِ ثَلَاثَةَ فُرُوعٍ يَجْمَعُهَا حُكْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْحَوْلِ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كَانَ لِقَصْدِ الفِرَارِ مِنَ الزَّكَاةِ أَمْ لَا ثُمَّ أَرَادَ بِتَفْرِيعِهَا عَقِبَ كُلِّ حَدِيثٍ التَّشْنِيعَ بِأَنَّ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ خَالَفَ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ» (*).
وقد أراد البخاري بما رواه في حديث الباب المتقدم، أن يبين أنه لا يحل لأحد أن يتحيل على إسقاط الزكاة، لأنها فرض، ولن يفلح من أسقط شيئًا من فرائض الله، وأن هذا المتحيل في إسقاط الزكاة بعد بلوغها النصاب لا تبرأ ذمته بهذه الحيلة، بل هو مؤاخذ بها يوم القيامة.
«[وَقَالَ] بَعْضُ الحَنَفِيَّةِ: [هَذَا الذِي] ذَكَرَهُ البُخَارِيُّ [يُنْسَبُ] لِأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ القَصْدِ إِلَى إِبْطَالِ حَقِّ الفُقَرَاءِ [بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ النِّصَابُ. وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ بِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ مِنَ الوُجُوبِ لَا إِسْقَاطٌ لِلْوَاجِبِ] وَاسْتُدِلَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الحَوْلِ بِيَوْمٍ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ مِنْهَا لَمْ يُكْرَهْ» (**).
«وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ أَبُو يُوسُفَ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ " الخَرَاجِ " (...) بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيثِ " وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ ": " لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مَنْعُ الصَّدَقَةِ وَلَا إِخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ لِمِلْكِ غَيْرِهِ لِيُفَرِّقَهَا