وقد ادعي على أبي حنيفة أنه ألف كتابًا في الحيل، ولكن هذا الادعاء لم تثبت صحته، وإن أثر عنه روايات فيها. أما تلميذه محمد بن الحسن فقد نسب إليه كتاب في الحيل، ولكن نسبة هذا الكتاب إليه قد أثير حولها الشك منذ العصر الأول، وإن رجح السرخسي نسبته إليه، كما ألف في الحيل أيضًا الخصاف (?)، من أئمة الأحناف في القرن الثالث.
وقد أثبت الشيخ محمد أبو زهرة أن الحيل التي احتوى عليها كِتَابَا محمد والخصاف، كانت من النوع المباح الذي ارتضاه ابن القيم ويؤيده ما ذكرناه عن ابن حجر آنفًا من أن المعروف عن أبي يوسف وعن كثير من أئمة الأحناف أنهم يقيدون إعمال الحيل بقصد الحق، كما نقل في موضع آخر عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ المُؤْمِنِينَ الفِرَارُ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ بِالحِيَلِ المُوصِلَةِ إِلَى إبْطَالِ الحَقِّ» (?)، وَذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ الكَبِيرُ رَاوِي " كِتَابِ الحِيَلِ " عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ، أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ: «مَا احْتَالَ بِهِ المُسْلِمُ حَتَّى يَتَخَلَّصَ بِهِ مِنَ الحَرَامِ، أَوْ يَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى الحَلَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا احْتَالَ بِهِ حَتَّى يُبْطِلَ حَقًّا أَوْ يُحِقَّ بَاطِلًا أَوْ لِيُدْخِلَ بِهِ شُبْهَةً فِي حَقٍّ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَالمَكْرُوهُ عِنْدَهُ إِلَى الحَرَامِ أَقْرَبُ» (?).
ويقول السرخسي: «فَالحَاصِلُ: أَنَّ مَا يَتَخَلَّصُ بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الحَرَامِ أَوْ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الحَلَالِ مِنَ الحِيَلِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَالَ فِي [حَقٍّ لِرَجُلٍ] حَتَّى يُبْطِلَهُ، أَوْ فِي بَاطِلٍ حَتَّى يُمَوِّهَهُ، أَوْ فِي حَقٍّ حَتَّى يُدْخِلَ فِيهِ شُبْهَةً، فَمَا كَانَ عَلَى هَذَا السَّبِيلِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ» (?).