أمور لا بد له من واحد منها: إما إضاعة نفسه وعياله، وإما الربا الصريح، وإما المخرج من هذا الضيق بالحيلة، وهل الساعي في ذلك إلا مأجور غير مأزور؟
هـ - روى البخاري أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟»، فَقَالَ: [لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ]، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، بِالثَّلاَثَةِ، فَقَالَ: «لَا تَفْعَلْ، بِعِ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا». وقال في الميزان مثل ذلك (?) فأرشده إلى الحيلة للتخلص من الربا بتوسط العقد الآخر.
و- الحيل معاريض في الفعل، مثل معاريض القول. وإذا كان في الأخيرة مندوحة عن الكذب، ففي معاريض الفعل مندوحة عن المحرمات. وَقَدْ لَقِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَائِفَةً مِنَ المُشْرِكِينَ، وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: «مِمَّنْ أَنْتُمْ؟». فقال رَسُولُ اللَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِنْ مَاءٍ». فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: «أَحْيَاءُ اليَمَنِ كَثِيرٌ، فَلَعَلَّهُمْ مِنْهُمْ»، وَانْصَرَفُوا (*).
وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «احْمِلْنِي»، فَقَالَ: «مَا عِنْدَنَا إِلَّا وَلَدًا لِنَاقَةٍ». فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلُ إِلَّا النُّوقَ؟» (*).
وروي مثل ذلك عن كثير من الصحابة والتابعين، مثل إبراهيم النخعي الذي كان يقول لأصحابه إذا خرجوا من عنده - وكان متخفيًا من الحجاج -: «إِنْ سُئِلْتُمْ عَنِّي فَاحْلِفُوا بِاللَّهِ لَا تَدْرُونَ أَيْنَ أَنَا، وَلَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَنَا وَاعْنُوا أَيْنَ أَنَا مِنَ البَيْتِ، وَفِي أَيِّ مَوَضِعٍ مِنْهُ» (**).
وعن مجاهد، عن ابن عباس قال: «مَا يَسُرُّنِي بِمَعَارِيضِ الكَلَامِ حُمْرَ النَّعَمِ».