منه ما دام يُفتي ويستفتى (?).
ونقل عن مالك أنه قال: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُخْطِئُ وَأُصِيبُ. فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي: فَكُلَّ مَا وَافَقَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَخُذُوا بِهِ , وَكُلَّ مَا لَمْ يُوَافِقِ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ , فَاتْرُكُوهُ» (?).
وَيُبيِّنُ الإمام مالك أهل الرأي من شيوخه، فَيَقُولُ: «قَالَ لِي ابْنُ هُرْمُزَ: " لَا تُمْسِكْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا سَمِعْتَ مِنِّي مِنْ هَذَا الرَّأْيِ؛ فَإِنَّمَا افْتَجَرْتُهُ أَنَا وَرَبِيعَةُ فَلَا تُمْسِكْ بِهِ» (?).
وبهذا يتضح أن الرأي لم يكن مقصورًا على المذهب الحنفي. والحق أنه ما وجد فقه فالرأي لازم له، اعترف بهذا أهل الحديث أنفسهم، مما يدل على أن الرأي في هذا القرن كان يستعمل من غير نكير.
«فَقَدْ سُئِلَ عَبْدُ اللَهِ بْنُ المُبَارَكِ: مَتَى يُفْتِي الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: " إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْأَثَرِ، بَصِيرًا بِالرَّأْيِ "» (?).
ويقول ابن المبارك أيضًا: «إِنْ كَانَ الأَثَرُ قَدْ عُرِفَ وَاحْتِيجَ إِلَى الرَّأْيِ، فَرَأْيُ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَأَبُو حَنِيفَةَ أَحْسَنُهُمْ، وَأَدَقُّهُمْ فِطْنَةً، وَأَغْوَصُهُمْ عَلَى الفِقْهِ وَهُوَ أَفْقَهُ الثَّلَاثَةِ» (?).
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: «إِنَّا لَا نَنْقِمُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَأَى، كُلُّنَا يَرَى، وَلَكِنَّنَا نَنْقِمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجِيئُهُ الحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،