ترجم البخاري لهذه المسألة، مُبَيِّنًا رأيه فيها، ومنتقدًا أهل الرأي، فقال: (بَابٌ: فِي الرِّكَازِ الخُمُسُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ إِدْرِيسَ (*): " الرِّكَازُ: دِفْنُ الجَاهِلِيَّةِ، فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الخُمُسُ وَلَيْسَ المَعْدِنُ بِرِكَازٍ " وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي المَعْدِنِ: «جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ» وَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: «مِنَ المَعَادِنِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً» وَقَالَ الحَسَنُ: «مَا كَانَ مِنْ رِكَازٍ فِي أَرْضِ الحَرْبِ فَفِيهِ الخُمُسُ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ السِّلْمِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ وَجَدْتَ اللُّقَطَةَ فِي أَرْضِ العَدُوِّ فَعَرِّفْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ العَدُوِّ فَفِيهَا الخُمُسُ». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " المَعْدِنُ رِكَازٌ، مِثْلُ دِفْنِ الجَاهِلِيَّةِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: أَرْكَزَ المَعْدِنُ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ. قِيلَ لَهُ: قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ، أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ: أَرْكَزْتَ، ثُمَّ نَاقَضَ، وَقَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَكْتُمَهُ [فَلاَ] يُؤَدِّيَ الخُمُسَ ").
ثم روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «العَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ» (?).
وملاحظتنا على هذه الترجمة، تتلخص فيما يأتي: -
1 - أن الخلاف هنا هو خلاف في الفهم والتأويل؛ إذ كلا الطرفين يسلم بصحة الحديث ويأخذ به. ولكن البخاري يفسر الركاز الذي فيه الخمس بالأموال التي يعثر عليها المسلم مما دفنه غير المسلمين وخبوه. وأبو حنيفة يوسع من مدلول الركاز، فيجعله شاملاً لدفن الجاهلية، وللمعادن التي توجد في الأرض. والقولان تحتملها اللغة، لأن كلاً منهما مركوز في الأرض، أي ثابت، وأركز الرجل إذا وجد الركاز.