الفَصْلُ الثَّانِي: بَيْنَ البُخَارِيِّ وَأَهْلِ الرَّأْيِ:

رأينا في الفصل السابق كيف أن ابن أبي شيبة قد وجه نقده إلى أبي حنيفة على وجه الخصوص. أما البخاري، فالخصومة بينه وبين أهل الرأي، خصومة عامة لا تقتصر على أبي حنيفة، بل نقده قد يكون موجهًا إليه، وقد يكون موجهًا إلى غيره من أصحابه، ولذلك لم يصرح باسم مخالفه أو صفته، وإنما عبر عنه بقوله: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ» (*).

وقد ذكر البخاري هذه الجملة في " صحيحه " عدة مرات، معرضًا بأهل الرأي، رَادًّا عليهم، مُبَيِّنًا تناقضهم. ولا شك في أن موضوعات الخلاف بينه وبين أهل الرأي ليست مقصورة على المسائل التي رد فيها على قول (بَعْضِ النَّاسِ)، بل توجد مسائل أخرى، لم يرض البخاري عن مسلك أهل الرأي إزاءها، وأثبت في " صحيحه " مذهبه فيها، وإن لم يعن ببيان رأي مخالفيه، بل إنه قد أفرد بعضًا من هذه المسائل بمؤلفات خاصة، مثل رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه، في كتابه " قرة العينين برفع اليدين "، ومثل القراءة خلف الإمام، في كتابه " خير الكلام في القراءة خلف الإمام ".

فمن هذه المسائل التي قرر البخاري فيها رأيه، ورد ضمنًا على أهل الرأي دون أن يشير إليهم:

1 - حقيقة الخمر ومسماها: وقد علمنا أن أبا حنيفة يقصر الخمر على عصير العنب، حيث يحرم قليله وكثيره. أما العصير من غيره إذا تخمر، فإنه لا يحرم القليل الذي لا يسكر منه، ويحرم كثيره المسكر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015