«لَوْ عَلِمْنَا أَنَّ إِحْرَامَ كُلِ مَيِّتٍ بَاقٍ، وَأَنَّهُ يُبْعَثُ يُلَبِّي، لَقُلْنَا بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي بَقَاءِ حُكْمِ الإِحْرَامِ عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا عَلَّلَ إِبْقَاءَ حُكْمِ الإِحْرَامِ عَلَيْهِ، بِمَا عَلِمَ أَنَّهُ يُبْعَثُ وَهُوَ يُلَبِّي، وَهُوَ أَمْرٌ مُغَيَّبٌ، فَلَمْ يَصِحَّ لَنَا أَنْ نَرْبِطَ بِهِ حُكْمًا ظَاهِرًا» (?).
وَبِسَنَدِهِ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ المَدِينَةِ لَا يُقْتَلُ صَيْدُهَا، وَلَا يُقْطَعُ عُضَاهَا، كَمَا حُرِّمَتْ مَكَّةُ.
- «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ "».
اختلف العلماء في هذه الأحاديث، هل المراد تحريم قطع شجرها وأخذ صيدها، أم المراد إبقاء زينتها؟.
وقد ذهب إلى الأول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وإلى الثاني ذهب أبو حنيفة والثوري وابن المبارك. ومن قال بتحريمها لا يرى الجزاء على من قطع شجرها أو أخذ صيدها. وقد استدل الفريق الثاني بـ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَطْعِ الأَشْجَارِ عِنْدَ بِنَاءِ مَسْجِدِهِ» وأنه قال لأحد الصبية: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» وأنه قال لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: «أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ تَصِيدُ بِالعَقِيقِ , لَشَيَّعْتُكَ إِذَا ذَهَبْتَ , وَتَلَقَّيْتُكَ إِذَا جِئْتَ فَإِنِّي أُحِبُّ العَقِيقَ» (?).
فالاختلاف هنا هو اختلاف في تأويل الحديث.