الكفارة أو عدم وجوبها يلتمسن ذلك من دليل آخر، وقد أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من آذته الهوام في رأسه أن يحلق، وعليه فدية.
قال الطحاوي بعد أن روى الآثار التي يتمسك بها مخالفو أبي حنيفة: «فَذَهَبَ إِلَى هَذِهِ الآثَارِ قَوْمٌ فَقَالُوا: مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا وَهُوَ مُحْرِمٌ لَبِسَ سَرَاوِيلاً وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا: أَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ لُبْسِ المُحْرِمِ الخُفَّ وَالسَّرَاوِيلَ [عَلَى الضَّرُورَةِ] فَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ وَنُبِيحُ لَهُ لُبْسَهُ لِلضَّرُورَةِ التِي هِيَ بِهِ. وَلَكِنَّا نُوجِبُ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الكَفَّارَةَ وَلَيْسَ فِيمَا رَوَيْتُمُوهُ نَفْيٌ لِوُجُوبِ الكَفَّارَةِ، وَلَا فِيهِ وَلَا فِي قَوْلِنَا خِلاَفٌ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ: لَا يَلْبَسُ الخُفَّيْنِ إِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَلَا السَّرَاوِيلَ إِذَا لَمْ يَجِدْ إِزَارًا. وَلَوْ قُلْنَا ذَلِكَ كُنَّا مُخَالِفِينَ لِهَذَا الحَدِيثِ وَلَكِنَّا قَدْ أَبَحْنَا لَهُ اللِّبَاسَ كَمَا أَبَاحَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الكَفَّارَةَ بِالدَّلاَئِلِ القَائِمَةِ المُوجِبَةِ لِذَلِكَ.
وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَيْضًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ " عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُمَا مِنْ تَحْتِ الكَعْبَيْنِ فَيَلْبَسُهُمَا كَمَا يَلْبَسُ النَّعْلَيْنِ. وَقَوْلُهُ: " مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَيَلْبَسُ (*) سَرَاوِيلاً " عَلَى أَنْ يَشُقَّ السَّرَاوِيلَ فَيَلْبَسُهُ كَمَا يَلْبَسُ الإِزَارَ. فَإِنْ كَانَ هَذَا الحَدِيثُ أُرِيدَ بِهِ هَذَا المَعْنَى فَلَسْنَا نُخَالِفُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ وَنُثْبِتُهُ. وَإِنَّمَا وَقَعَ الخِلاَفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فِي التَّأْوِيلِ لَا فِي نَفْسِ الحَدِيثِ لِأَنَّا قَدْ صَرَفْنَا الحَدِيثَ إِلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُهُ».
ثم يقول الطحاوي وكأنه يوجه كلامه إلى ابن أبي شيبة: «فَاعْرِفُوا مَوْضِعَ خِلاَفِ التَّأْوِيلِ مِنْ مَوْضِعِ خِلاَفِ الحَدِيثِ فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَلَا تُوجِبُوا