والخلاف بين أبي حنيفة وأبي بكر هنا هو خلاف في فهم الحديث ومقاصد التشريع. وأعتقد أن الحق مع أبي حنيفة في هذه المسألة.
روى أبو بكر حديث: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». ثم قال:
- «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا بَأْسَ بِهِ "».
سبق ذكر هذه المسألة في فصل (الاِتِّجَاهُ إِلَى الظَّاهِرِ) باعتبارها من أمثلة هذا الاتجاه عند المحدثين، حيث بينا أن سبب الاختلاف فيها هو الاختلاف في مقتضى الأمر في الحديث: هل هو الوجوب أو الندب؟ وهل هذا الأمر معلل أو غير معلل؟ ويترتب على ذلك أن يكون غسل اليد حينئذٍ فرضًا، أو سنة.
وقد ذهب أبو حنيفة إلى أن غسل اليد حينئذٍ سنة. لأن حمل الأمر في الحديث على الوجوب، يوجد شيئًا من التعارض بين الحديث وآية الوضوء، التي أفاد ظاهرها حصر فرائض الوضوء بدون زيادة غسل اليد.
والخلاف هنا هو خلاف في فهم الحديث أيضًا، وقد وافق مالك والشافعي أبا حنيفة على فهمه، حيث اعتبرا غسل اليد من السنن، وأن الوضوء يجزي بدون غسلها ما لم يكن على ظاهرها نجاسة.
عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، قَالَتْ: «دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، [لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ]، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ».
وَرُوِيَ أَنَّ الحُسَيْنَ بَالَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «إِنَّمَا يُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ وَيُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الأُنْثَى».