أما بالنسبة للذرائع، فقد صرح ابن القيم بأن هناك رباطًا وثيقًا يربطها بالمقاصد، «فَمَنْ سَدَّ الذَّرَائِعَ اعْتَبَرَ المَقَاصِدَ وَقَالَ: [يُؤَثِّرُ] الشَّرْطُ [مُتَقَدِّمًا وَمُقَارِنًا]، وَمَنْ لَمْ يَسُدَّ الذَّرَائِعَ لَمْ يَعْتَبِرْ المَقَاصِدَ وَلاَ الشُّرُوطَ المُتَقَدِّمَةَ» (?).
وهذا الذي يقوله ابن القيم من وجود تلازم بين الذرائع والقصد - ليس على إطلاقه، إذ لا يتضح في جميع الصور، فقد تكون النية حسنة، والقصد ممدوحًا ومع ذلك لا يؤذن في الفعل المتوفر فيه هذه النية الحسنة نظرًا لمآل الفعل، وعظم المفسدة المترتبة عليه. وهذا يدل على أن الأصل في اعتبار سد الذرائع هو النظر في مآلات الأفعال وما تنتهي في جملتها إليه، والنظر في هذه المآلات لا يكون إلى مقصد العامل ونيته، بل إلى نتيجة العمل وثمرته، وبحسب النية يثاب الشخص أو يعاقب في الآخرة، وبحسب النتيجة والثمرة يحسن الفعل في الدنيا أو يقبح، ويطلب أو يمنع ولذلك كان النهي في قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، كان هذا النهي ملاحظًا فيه النتيجة الواقعة؛ لا النية الدينية المحتسبة لمن يسب الأوثان.
فمبدأ سد الذرائع لا ينظر فقط إلى النيات والمقاصد الشخصية، بل يقصد مع ذلك إلى النفع العام، أو إلى دفع الفساد العام، فهو ينظر إلى النتيجة مع القصد أو إلى النتيجة وحدها (?).