لم يكن من المجدي أن يضبط هذا السلوك، ولا تحكم أن هذه الغرائز والأهواء عن طريق الأحكام القانونية ورقابة الحكام (?) فقط، بل كان من الضروري أن تعالج هذه الأهواء والنزعات علاجًا جذريًا ذاتيًا بالوصول إلى أعماق النفس الإنسانية، وتهذيب ما خرج عن حد الاعتدال من غرائزها أو سلوكها، وإعطائها دفعة من الإحساس بالمسؤولية، تحاسب به نفسها قبل أن توضع الموازين القسط يوم القيامة: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (?).

ولذلك وجدنا أن معظم كتب السنن قد أثبتت حديث «الحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ»، فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم، أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه (?). أثبتته بروايات مختلفة وألفاظ متقاربة في كتاب البيوع. وما ذلك إلا ليتنبه المسلم إلى أن من واجبه أن يترك ما يشتبه في أنه حرام.

وقد نبه إلى ذلك الحافظ ابن حجر، فقال: «وَقَدْ تَوَارَدَ أَكْثَرُ الأَئِمَّةِ المُخَرِّجِينَ لَهُ عَلَى إِيرَادِهِ فِي كِتَابِ البُيُوعِ لأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي المُعَامَلاَتِ تَقَعُ فِيهَا كَثِيرًا ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015