الرَّدِّ عَلَيْهِ بَعْدَ حِكَايَتِهِمْ مَذْهَبَهُ، وَقَالُوا: فَسَادُهُ مُغَنٍّ عَنْ إفْسَادِهِ. وَقَدْ خَرَقَ الإِجْمَاعَ فِي قَوْلِهِ فِي الغَائِطِ، إذْ لَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَوْلِ ثُمَّ فَرْقُهُ بَيْنَ البَوْلِ فِي نَفْسِ المَاءِ، وَالبَوْلِ فِي إنَاءٍ [ثُمَّ] يُصَبُّ فِي المَاءِ - مِنْ أَعْجَبِ الأَشْيَاءِ: وَمِنْ أَخْصَرِ مَا يُرَدُّ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبَّهَ بِالبَوْلِ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ [التَّغَوُّطِ] وَبَوْلِ غَيْرِهِ كَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ: " إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا ".
وَأَجْمَعُوا أَنَّ السِّنَّوْرَ كَالفَأْرَةِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرُ السَّمْنِ مِنْ الدُّهْنِ كَالسَّمْنِ وَفِي الصَّحِيحِ: " إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ " فَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ فَغَسَلَهُ: إنْ قَالَ دَاوُد لَا يَطْهُرُ لِكَوْنِهِ مَا غَسَلَهُ هُوَ - خَرَقَ الإِجْمَاعَ، وَإِنْ قَالَ: يَطْهُرُ فَقَدْ نَظَرَ إلَى المَعْنَى وَنَاقَضَ قَوْلَهُ» (?).
ويلاحظ أن ابن حزم لا يسلم بأن غير الفأرة كالفأرة، ولا أن غير السمن كالسمن، بل يقول: «وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ لِغَيْرِ الفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ، وَلَا لِلْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ، وَلَا لِغَيْرِ الفَأْرَةِ فِي السَّمْنِ - بِحُكْمِ الفَأْرِ فِي السَّمْنِ، لأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي غَيْرِ الفَأْرِ فِي السَّمْنِ» (?).
ومما يصور أيضًا حرفيتهم ومغالاتهم في التمسك بالألفاظ - مذهبهم في ولوغ الكلب، فقد جاء في ذلك الحديث المشهور: «إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ».
وقد فسر ابن حزم (الوُلُوغَ) بالشرب فقط، كما اشترط (الإِنَاءَ)