الذي ذكره فيما نقلناه عنه في بداية حديثنا عن أصول الظاهرية أيضًا، حيث قال: «مِثْلَ إِجْمَاعِ المُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِأَنَّ دَمَ زَيْدٍ حَرَامٌ بِإِسْلَامِهِ، ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ، قَدْ حَلَّ دَمُهُ. فَقُلْنَا: قَدْ تَيَقَّنَّا بِالنَّصِّ وُجُوبَ الطَّاعَةِ لِلْإِجْمَاعِ، وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ دَمَهُ حَرَامٌ، فَلَا يَجُوزُ لَنَا خِلَافُ ذَلِكَ، إِلَّا بِنَصٍّ مَنْقُولٍ بِالثِّقَاتِ أَوْ بِتَوَاتُرٍ أَوْ بِإِجْمَاعٍ نَاقِلٍ لَنَا، فَهَذَا مَنْصُوصٌ عَلَى مَعْنَاهُ»، وهذا يفيد أن ما ثبت بالإجماع، يظل ثابتًا ولا يقبل دعوى تغييره، حتى يقوم على تغيير حكمه دليل من نص أو إجماع آخر، وهذا هو معنى الاستصحاب، فقد عرفه الأصوليين بأنه الحكم على الشيء بما كان ثابتًا له، أو منفيًا عنه، لعدم قيام الدليل على خلافه. فمعناه عدم قيام الدليل على تغيير حكم سابق، فهو دليل سلبي، لا إيجابي، ولذلك اختلف فيه، هل هو حجة للدفع فقط، أو للدفع والإثبات (?).
وقد توسع الظاهرية في استخدام هذا الدليل، نظرًا لاقتصارهم على النصوص ومنعهم الاستدلال بالرأي، كما أكثر منه فقهاء المحدثين، كأحمد بن حنبل، لما قدمناه من كراهيتهم للرأي، وميلهم إلى الوقوف عند حدود النصوص.
وقد فرق ابن حزم بين الاستصحاب، وأقل ما قيل - وهما القسمان الأولان من أقسام الدليل المأخوذ من الإجماع - في صورة سؤال وجوابه حيث قال: «فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ هَذَانِ اسْمَانِ (?) مُخْتَلِفَانِ فِي المَعْنَى فَمَا الفَرْقُ