وَمِثْلُ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ أَنَّهُ سَجَدَهُمَا قَبْلَ وَبَعْدَ - أَيْ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ -[فَنَسْتَعْمِلُ الأَخْبَارَ فِيهَا كَمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَمَا وُصِفَ ذَلِكَ عَنْهُ فَيَسْجُدُهُمَا الرَّجُلُ كَمَا سَجَدَ فِيهَا بَعْدُ] (*)، وَلَا يَرُدُّ بَعْضُهَا بَعْضَ.
هَذَا وَشَبَهُهُ اسْتَعْمَلَ الأَخْبَارَ حَتَّى [تَأْتِي] الدَّلَالَةُ بِأَنَّ الخَبَرَ قَبْلَ الخَبَرِ، فَيَكُونُ الأَخِيرُ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ، مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ شِهَابِ الزُّهْرِيّ: " يُؤْخَذ بِالأَحْدَثِ فَالأَحْدَث مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَذَلِكَ أَنَّهُ صَامَ فِي سَفَرِهِ حَتَّى بَلَغَ الكُدَيْدَ ثُمَّ أَفْطَرَ.
سَأَلْتُ أَبِي عَنْ المَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ؟ قَالَ: إِذَا جَفَّ فَفَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ غَسَلَهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ مَسَحَهُ وَهُوَ رَطْبٌ فَلَا [بَأْسَ] (*)» (?).
فهذا كلام أحمد يوضح منهجه في الأخبار المتعارضة، ويفيد أنه يأخذ بالنصوص كلها ما أمكن، ولا يلجأ إلى النسخ حتى يأتي دليل على النسخ.
وقد وافقه على ذلك ابن حزم، وتكلم عن التعارض في أماكن كثيرة من كتبه، ونكتفي هنا بفقرة من كلامه، نضع يدنا على تأثره بالمحدثين وبخاصة أحمد بن حنبل.
يقول ابن حزم: «إِذَا تَعَارَضَ الحَدِيثَانِ أَوْ الآيَتَانِ أَوْ الآيَةُ وَالحَدِيثُ [فِيمَا يَظُنُّ مَنْ لَا يَعْلَمُ] فَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ اسْتِعْمَالُ كُلَّ ذَلِكَ لَأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُ ذَلِكَ أَوْلَى بِالاِسْتِعْمَالِ مِنْ بَعْضٍ.
فَإِذَا وَرَدَ النَّصَّانِ كَمَا ذكرَنَا، فَلَا يَخْلُو مَا يَظُنُّ بِهِ التَّعَارُضَ وَلَيْسَ تَعَارُضًا مِنْ أَحَدِ أَرَبْعَةَ أَوْجُهٍ لَا خَامِسَ لَهَا: إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَقَلُّ مَعَانِي مِنَ الآخَرِ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حَاظِرًا وَالآخَرُ مُبِيحًا، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُوجِبًا وَالثَّانِي نَافِيًا. فَوَاجِبٌ هُنَا أَنْ يُسْتَثْنَى الأَقَلُّ مَعَانِي مِنَ الأَكْثَرِ مَعَانِي ... الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ النَّصَّيْنِ حَاظِرًا لِمَا أُبِيحَ فِي النَّصِّ