وعمروها، وفيها وجوه الناس، كما قال عنها عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (?) إذ قام بها كثير من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، يقول إبراهيم النخعي: «هَبَطَ الكُوفَةَ ثَلاثُمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ وَسَبْعُونَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ» (?)، واتخذها علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عاصمة خلافته، واعترف بقيمتها العلمية علماء الأمصار، كعطاء الذي قال لشخص يسائله: «مِمَّنْ أَنْتَ؟»، فقال: «مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ». فقال عطاء: «مَا يَأْتِينَا العِلْمُ إِلا مِنْ عِنْدِكُمْ» (?).
وإطلاق مدرسة المدينة ومدرسة الكوفة، أو بعبارة أرحب: مدرسة الحجاز ومدرسة العراق، على هاتين الطائفتين المتميزتين في عصر التابعين أصدق تاريخًا، وأدق تعبيرًا، وأولى بالمنهج العلمي من أن يطلق عليهما «أَهْلَ الحَدِيثِ وَأَهْلَ الرَّأْيِ»، لأن الاختلاف بينهما لم يكن اختلافًا في مصادر التشريع أو المنهج، بقدر ما كان اختلافًا في التلقين، وتنوعًا في الأساتذة، وتباينًا في البيئة والعُرف (?): ولذا لم تعرف هذه العبارة في عصر التابعين.
ويمكن أن ندعم هذا بأمرين:
الأمر الأول: أن علماء العراق لم يكونوا بمعزل عن علماء الحجاز في العصور الأولى، وبخاصة في عصر التابعين فقد كانا يصدران عن وِرْدٍ وَاحِدٍ في أغلب الأحيان، وإذا كانت الرحلة العلمية إلى الأقطار المختلفة قد بدأت