هذا من أن تكون لهم اجتهادات جاوزوا فيها حدود الألفاظ، محلقين في أجواء المعاني ومقاصد التشريع.

مَظَاهِرُ هَذَا الاِتِّجَاهِ فِي فِقْهِ المُحَدِّثِينَ:

ولتوضيح هذا الاتجاه نذكر جملة من المسائل التي تعين على تصوره في فقه أهل الحديث، ونتبع كل مسألة بمذهب أهل الظاهر فيها.

1 - غَسْلُ اليَدَيْنِ عِنْدَ الاِسْتِيْقَاظِ مِنَ النَّوْمِ:

روي عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلاَ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يُفْرِغَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». وفي بعض روايات الحديث: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ». بدلاً من «اللَّيْلِ».

فهذا النهي عن إدخال اليد في الإناء قبل الغسل، هل المقصود به الاحتياط في النظافة، إذ لم يقطع بحصول النجاسة في اليد؟ أو أنه بسبب النجاسة التي يمكن أن تلحق اليد أثناء النوم، لأن القوم كانوا يستجمرون بالحجارة؟ أو أن هذا النهي تعبدي لا يشتغل بالبحث عن علة له؟

وبعبارة أخرى، هل هذا النهي معلل بعلة، يدور الحكم معها وُجُودًا وَعَدَمًا، أم أنه غير معلل فيجب تنفيذه في كل الأحوال؟

ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى عدم تعليل هذا النص، وأوجبا غسل اليد عند الاستيقاظ، غير أن أحمد رأى أن الحديث جاء مطلقًا في بعض الروايات، وجاء مقيدًا بـ (اللَّيْلِ) في بعضها الآخر، فحمل المطلق على المقيد، وأوجب غسل اليد عند الاستيقاظ من نوم الليل لا من نوم النهار. أما إسحاق فَقَدْ سَوَّى بين نوم الليل ونوم النهار في وجوب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015