ونكتفي بما ذكرناه من أمثلة لكيفية تناول المحدثين لمختلف الحديث، وهي تدل على غيرها، فعلى نهج ما قدمناه يسيرون، وتختلف أنظارهم في التوفيق بين الأحاديث، وإن كانوا يتلاقون جميعًا في أنهم لا يقلدون ولا يتعصبون، ولكنهم يجتهدون وينظرون، فما غلب على ظنهم أنه الحق أخذوا به، وعبروا عنه في تراجمهم وتعقيباتهم على تفاوت بينهم في إبراز الجوانب الفقهية من شخصياتهم، وعلى اختلاف بينهم في إيداع كتبهم مذاهب الصحابة والتابعين وتابعيهم.
وقد اتضح مما تقدم أن البخاري فقيه وأي فقيه، وأنه - من زاوية الفقه - مقدم على كتاب السنن في القرن الثالث كما هو مقدم عليهم من حيث صناعة الحديث، إذ هو أعمقهم استنباطًا، وأكثرهم استقلالاً، وأصرحهم رأيًا، وأشدهم في مناقشة أهل الرأي وغيرهم.
ثم يأتي بعده في العمل الفقهي الترمذي، ثم أبو داود والنسائي ثم الدارمي وابن ماجه، ثم مسلم، وأخيرًا يأتي ابن أبي شيبة.