الاتجاهات الفقهية لأهل الحديث لا يتصور أن نضع يدنا عليها إلا بعد أن نعرف أولاً من هم المُحَدِّثُونَ؟ ومن هم أهل الرأي؟ حتى يمكن التمييز بينهما.
وقد يبدو للوهلة الأولى أن الإجابة عن هذا السؤال أمر سهل ميسّر ولكن الخلط الذي يلحظه مطالع كتب الفقه والتاريخ، وما يرى فيه من اختلاف الأنظار في الشخص الواحد فِي عَدِّهِ من أهل الحديث أو من أهل الرأي - هذا الخلط يحمل الإنسان على الحذر من الإجابة الفورية، ويحثه على الأناة والتتبع حتى تكون إجابته أقرب إلى الحق، وأميل للصواب.
والحق أنه ما من كتاب في التاريخ الإسلامي بعامة، أو في تاريخ التشريع بخاصة، في القديم والحديث إلا تطالعك بعد صفحات قليلة أو كثيرة منه هذه العبارة (أَهْلِ الحَدِيثِ وَأَهْلِ الرَّأْيِ)، يتناقلها المؤرخون، ويتداولها الدارسون.
وإذا استثنينا قليلاً من المحققين الذين وقفوا عند هذه العبارة محاولين الرجوع بها إلى أصل إطلاقها، ومسمى أهلها، فإن الكثرة الغالبة من المؤرخين كانوا يذكرونها نقلاً عمن سبقهم، وتقليدًا لهم، دون عناية بمعرفة حقيقة هذا الإطلاق، ودون إدراك لعامل الزمن في تطويره لهذا المصطلح، بما يجعل إطلاقه غير متساوٍ تمامًا في عصرين مختلفين.