بل إنهم قد وجهوا كثيرًا من النقد إلى هذا الفقه التقديري، مستدلين في إثبات كراهيته بآيات وأحاديث، وأقوال للصحابة والتابعين (?).

وقد عنون البخاري بابًا بقوله: (بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ مَا لاَ يَعْنِيهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]) (?).

[ج] كَرَاهِيَةُ إِفْرَادِ الفِقْهِ بِالتَّدْوِينِ:

وهذه أيضًا من نتائج اتجاه المحدثين إلى الآثار وحصرهم الحجة فيها، فالآثار هي الأصل، أما الآراء فليس فيها من الأصالة ما يتيح لها الدوام والاستقرار، فإن لم يكن بد من ذكر الرأي فليذكر متصلاً بالنصوص والآثار، حتى لا يطغى الرأي على النصوص أو يتخذ أصلاً دونها، وحتى يكون عند الناظر فيه فرصة للموازنة بين النصوص وما استنبط منها.

ولهذا لم نعثر على كتاب فقهي مستقل لأحد من المحدثين (?)، تجمع فيه المسائل على حسب ما تندرج فيه من أبواب، بل نقل عنهم كراهية ذلك، فكان أحمد بن حنبل لا يستجيز التدوين بالنسبة للآراء الفقهية، ويرى أن من البدع تدوين آراء الناس، وكان يكره من أصحابه أن ينقلوا عنه فتاويه، أو فتاوى غيره، وينهى المحدثين عن أن يكتبوا كتب الشافعي وأبي ثور وكتب أهل الرأي (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015