وَالوَجْهُ الثَّالِثُ: مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: جَعَلَ اللهُ [لَهُ]، بِمَا افْتَرَضَ مِنْ طَاعَتِهِ، وَسَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِنْ تَوْفِيقِهِ لِرِضَاهُ، أَنْ يَسُنَّ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَمْ يَسُنَّ سُنَّةً قَطُّ إِلَّا وَلَهَا أَصْلٌ فِي الكِتَابِ، كَمَا كَانَتْ سُنَّتُهُ لِتَبْيِينِ عَدَدِ الصَّلَاةِ وَعَمَلِهَا، عَلَى أَصْلِ جُمْلَةِ فَرْضِ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ مَا سَنَّ مِنَ البُيُوعِ وَغَيْرِهَا مِنَ الشَّرَائِعِ، لِأَنَّ اللهَ قَالَ: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29]، وَقَالَ: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، فَمَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ فَإِنَّمَا بَيَّنَ فِيهِ عَنْ اللهِ، كَمَا بَيَّن الصَّلَاةَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ جَاءَتْهُ [بِهِ] رِسَالَةُ اللهِ، فَأَثْبَتَتْ سُنَّتَهُ بِفَرْضِ اللهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أُلْقِيَ فِي رُوعِهِ كُلُّ مَا سَنَّ، وَسُنَّتُهُ الحِكْمَةُ: الذِي أُلْقِيَ فِي رُوعِهِ عَنْ اللهِ، فَكَانَ مَا أُلْقِيَ فِي رُوعِهِ سُنَّتُهُ.
... ، وَهِيَ الحِكْمَةُ التِي ذكَرَ اللهُ، وَمَا نَزَلَ بِهِ عَلَيْهِ كِتَابٌ، فَهُوَ كِتَابُ اللهِ، وَكُلٌّ جَاءَهُ مِنْ نِعَمِ اللهِ، كَمَا أَرَادَ اللهُ، وَكَمَا جَاءَتْهُ النِّعَمُ، تَجْمَعُهَا النِّعْمَةُ، وَتَتَفَرَّقُ بِأَنَّهَا فِي أُمُورٍ بَعْضُهَا غَيْرُ بَعْضٍ، وَنَسْأَلُ اللهَ العِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ.
وَأَيُّ هَذَا كَانَ، فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ أَنَّهُ فرَضَ فِيهِ طَاعَةُ رَسُولِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ عُذْرًا بِخِلَافِ أَمْرٍ عَرَفَهُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ» (?).
ومن هذا القول عن الإمام الشافعي نجده قد قسم السنة بالنسبة لما جاء في القرآن إلى ثلاثة أقسام:
[أ] القسم الأول: أن تكون السنة موافقة للقرآن من كل وجه، فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتضافرها، كالأحاديث الدالة على وجوب الصلاة والزكاة وغيرهما مما صرح به القرآن.