يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ، «فَتَرَكَ كِرَاءَ الأَرْضِ» (?).
ولعل ورع ابن عمر وحيطته لدينه هي الدوافع في اتجاهه هذا بل هي الضوء الذي يفسر كثيرًا من تصرفاته.
وكان هذا الورع يحمله على أن يترك بعض الحلال مخافة أن يقترب من الحرام، وقد روى مالك عنه أنه قال: «إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَجْعَلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الحَرَامِ سُتْرَةً مِنَ الحَلاَلِ» (?).
كما كان هذا الورع يحمله على التشديد على نفسه وعلى غيره، فقد صح عنه «أَنَّهُ كَانَ يُدْخِلُ المَاءَ فِي بَاطِنِ عَيْنَيْهِ فِي الوُضُوءِ وَالغُسْلِ» (?) (*). وقد تميز ابن عمر بشدته هذه وعرف بها، وكانت موازنة أبي جعفر المنصور في ذلك بين ابن عمر وابن عباس موازنة صادقة صحيحة، عندما طلب من الإمام مالك أن يكتب للناس كتابًا يتجنب فيه «رُخَصَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَشَدَائِدَ ابْنَ عُمَرَ».
وإذا استعرضنا طرفًا من المسائل التي استدركتها السيدة عائشة على ابن عمر - وجدناه يميل في معظمها إلى جانب الشدة، أخذًا بالحيطة حتى يبلغه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلاف ما ذهب إليه، فيترك قوله.
فمن ذلك أنه كان يقول: «فِي القُبْلَةِ الوُضُوءُ»، فاستدركت عليه السيدة عائشة وَقَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ [ثُمَّ] لاَ يَتَوَضَّأُ» (?).