وسنعرض هنا أمثلة موجزة تبين أصالة هذا الاتجاه عنده.
فمن ذلك ما روي «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ القَبْضِ». فهل هذا النهي مقصور على الطعام، فيصح بيع غيره قبل القبض، أم أن المقصود هو النهي عن بيع كل شيء قبل القبض؟ وتخصيص الطعام بالذكر لكونه هو البيع الشائع الذي تكثر فيه المخاصمة؟ وإذا قيس على الطعام غيره في النهي، فهل يقتصر في هذا القياس على المنقول فقط، أم يقاس عليه كل بيع، منقولاً وغير منقول؟ إن ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَدْ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا، فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ». ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ» (?).
ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد بإسناده عن جابر بن زيد (*)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ» قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: «أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أُمَّتَهُ» (?).