وهكذا تنكر السيدة عائشة أن يكون الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال هذا الحديث بهذا اللفظ، وتعزو روايته هكذا إلى الخطأ والنسيان، فقد روت عَمْرَةُ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ، وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَغْفِرُ اللهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ، إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا، فَقَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا» (?) (*)، والذي نريد أن نبرزه أن السيدة عائشة استندت في دعواها إلى ظاهر القرآن الذي يقرر أصلاً ثابتًا في الإسلام، وهو أن الإنسان مجازى عن عمله لا عن عمل غيره: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].

على أن البخاري يميل إلى عدم الوهم في رواية عمر وابنه ويحمل ما جاء عنهما إلى نوع خاص من البكاء هو الذي فيه أصوات عالية وترديد لعادات الجاهلية في ذلك، إذا أوصى به الميت أو كان ذلك من عادة أهله فأقرهم عليه ولم ينكره وحينئذٍ يكون البكاء عليه من كسبه، فهو محتمل وزره لا وزر غيره. ولهذا ترجم البخاري لحديث عمر بقوله: (بَابُ [قَوْلِ] النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُعَذَّبُ المَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ " لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ، فَهُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: {لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] " وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} [فاطر: 18]- ذُنُوبًا - {إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر: 18] وَمَا يُرَخَّصُ مِنَ البُكَاءِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ» وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015