سَمَاعِ الحَدِيثِ وَالرِّحْلَةِ فِيهِ وَجَمْعِ الطُّرُقِ الكَثِيرَةِ وَطَلَبِ الأَسَانِيدِ العَالِيَةِ وَالمُتُونِ الغَرِيبَةِ (?) وَهَؤُلَاءِ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ قَصَدُوا حِفْظَ الشَّرْعِ بِمِعْرِفَةِ صَحِيحِ الحَدِيثِ مِنْ سَقِيمِهِ وَهُمْ مَشْكُورُونَ عَلَى هَذَا القَصْدِ إِلَّا أَنَّ إِبْلِيسَ يُلَبِّسُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَشْغَلَهُمْ بِهَذَا عَمَّا هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ مِنْ مِعْرِفَةِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَالاجْتِهَادُ فِي أَدَاءِ اللَّازِمِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الحَدِيثِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ فَعَلَ هَذَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ كَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَابْنُ المَدِينِيِّ وَالبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. فَالجَوَابُ أَنَّ أُولَئِكَ جَمَعُوا بَيْنَ مَعْرِفَةِ المُهِمِّ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالفِقْهِ فِيهِ وَبَيْنَ مَا طَلَبُوا مِنَ الحَدِيثِ ...» ثم يقول عَنْ مُحَدِّثِي زَمَانِهِ: «فَتَرَى المُحَدِّثَ يَكْتُبُ وَيَسْمَعُ خَمْسِينَ سَنَةً وَيَجْمَعُ الكُتُبَ وَلَا يَدْرِي مَا فِيهَا وَلَوْ وَقَعَتْ لَهُ حَادِثَةٌ فِي صَلَاتِهِ لافْتَقَرَ إِلَى بَعْضِ أَحْدَاثِ المُتَفَقِّهَةِ الذِينَ يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ لِسَمَاعِ الحَدِيثِ مِنْهُ وَبِهَؤُلَاءِ تَمَكَّنَ الطَّاعِنُونَ عَلَى المُحَدِّثِينَ فَقَالُوا: " زَوَامِلُ أَسْفَارٍ لَا يَدْرُونَ مَا مَعَهُمْ "، فَإِنْ أَفْلَحَ أَحَدُهُمْ وَنَظَرَ فِي حَدِيثِهِ فَرُبَّمَا عَمِلَ بِحَدِيثٍ مَنْسُوخٍ، وَرُبَّمَا فَهِمَ مِنَ الحَدِيثِ مَا يَفْهَمُ العَامِّيُّ الجَاهِلُ وَعَمِلَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ بِالمُرَادِ مِنَ الحَدِيثِ». ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ فَهِمَ مِنْ نَهْيِ الحَدِيثِ " أَنْ يَسْقِي الرَّجُلُ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ " أنه نَهْيٌ عَنْ سَقْيِ البَسَاتِينِ، مَعَ أَنَّهُ " نَهْيٌ عَنْ وَطْءِ الحَبَالَى "، وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنَ " النَّهْيِ عَنْ الحِلَقِ قَبْلَ الجُمُعَةِ " أنَّهُ الحَلْقُ وَقَدْ كَانَ ابْنُ صَاعِدٍ كَبِيرَ القَدْرِ في المُحَدِّثِينَ، لَكِنَّهُ لَمَّا قَلَّتْ مُخَالَطَتُهُ لِلْفُقَهَاءِ كَانَ لَا يَفْهَمُ جَوَابَ فَتْوَى - ثُمَّ رَوَى حَادِثَةً فِي ذَلِكَ -، قال المُصَنِّفُ: «وَكَانَ ابْنُ شَاهِينَ قَدْ صَنَّفَ فِي الحَدِيثِ مُصَنَّفَاتٍ كَثِيرَةً أَقَلُّهَا جُزْءٌ، وَأَكْثَرُهَا التَّفْسِيرُ وَهُوَ