وأما بالنسبة للاتهام الثاني، وهو حمل الضعيف ورواية الموضوعات من الأحاديث فَيُفَنِّدُهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ بِقَوْلِهِ: «وَقَدْ يَعِيبُهُمُ الطَّاعِنُونَ بِحَمْلِهِمُ الضَّعِيفَ، وَطَلَبِهِمْ الغَرَائِبَ، وَفِي الغَرِيبِ الدَّاءُ. وَلَمْ يَحْمِلُوا الضَّعِيفَ وَالغَرِيبَ، لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُمَا حَقًّا، بَلْ جَمَعُوا الغَثَّ وَالسَّمِينَ، وَالصَّحِيحَ وَالسَّقِيمَ، لِيُمَيِّزُوا بَيْنَهُمَا، وَيَدُلُّوا عَلَيْهِمَا، وَقَدْ فَعَلُوا ...» (?)، ثم أورد جملة من الأحاديث التِي نَبَّهَ المُحَدِّثُونَ على بطلانها، ومنها أحاديث وضعها الزنادقة ليُشَنِّعُوا بها على المسلمين وعلى أهل الحديث.

والحق أَنَّ المُحَدِّثِينَ في تحقيقهم للنصوص، ونقدهم للحديث شكلاً وموضوعًا أو إسنادًا ومتنًا، منذ وقت مبكر للعصور الأولى للإسلام ليدخلون في زمن الأوائل القلائل الذين يرتادون ميدان البحث العلمي المنهجي على غير مثال يُحْتَذَى أَوْ نَمُوذَجٍ يُقلَّدُ، وكان يدفعهم إلى ذلك غيرة على الدين وجهاد في سبيله، فَبَنَوْا سدودًا منيعة أمام سيل الوضع من الزنادقة وغيرهم من خصوم الإسلام. وقد شكا أحد الناس كثرة الأحاديث الموضوعة إلى أحد علماء الحديث - هو ابن المبارك - فرد عليه بأن الجهابذة من النُقَّادِ لها بالمرصاد (?) (*).

ورد ابن قتيبة التهمة الثالثة مُبَيِّنًا أَنَّ المُحَدِّثِينَ أخذوا عن المبتدعة ما لا يحتجون به لمذاهبهم إذا كانوا صادقين: «وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ الحَدِيثَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ مُخَالِفِيهِمْ، كَقَتَادَةَ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَيَمْتَنِعُونَ عَنِ الكِتَابَةِ عَنْ مِثْلِهِمْ، مِثْلَ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وَعَمْرِو بْنِ فَائِدٍ، وَمَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ، فَإِنَّ هَؤُلاَءِ الذِينَ كَتَبُوا عَنْهُمْ، أَهْلُ عِلْمٍ وَأَهْلُ صِدْقٍ فِي الرِّوَايَةِ، وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ المَنْزِلَةِ، فَلَا بَأْسَ بِالكِتَابَةِ عَنْهُ، وَالعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ، إِلَّا فِيمَا اعْتَقَدَهُ مِنَ الهَوَى،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015