سمعنَا فِي بلدكم أَربع مائَة حَدِيث فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَنحن فِي يَوْم وَاحِد نسْمع هَذَا كُله فَقَالَ يَا عبد الرَّحْمَن وَمن أنزلنَا دَار الضَّرْب يضْربُونَ بِاللَّيْلِ وينفقون بِالنَّهَارِ هَذَا مَعَ أَنه كَانَ بِالْكُوفَةِ وَغَيرهَا من الثِّقَات الأكابر كثير وَلَكِن لِكَثْرَة الْكَذِب الَّذِي كَانَ أَكْثَره من الشِّيعَة صَار الْأَمر يشْتَبه على من لَا يُمَيّز بَين هَذَا وَهَذَا بِمَنْزِلَة الْغَرِيب إِذا دخل إِلَى بلد يصف أَهله كذابون خوانون فَإِنَّهُ يحترس مِنْهُم حَتَّى يعرف الصدوق الثِّقَة وبمنزلة الدَّرَاهِم الَّتِي كثر فِيهَا الْغِشّ فانه يحترس عَن الْمُعَامَلَة بهَا من لَا يكون نقادا
وَمِنْهَا قَوْله م: وَالَّذِي يقْضِي مِنْهُ الْعجب حَال هَؤُلَاءِ فِي قلَّة أَنْصَافهمْ وفرط جَوْرهمْ واعتسافهم أَن البُخَارِيّ نَشأ ببخارى وَحصل مَا حصل من الحَدِيث بهَا وَأَهْلهَا حنفيون كلهم ثمَّ إِنَّهُم ينفون الحَدِيث عَنْهُم وَذَلِكَ دَلِيل وَاضح على أَن الْأَحَادِيث الَّتِي جمعهَا البُخَارِيّ كَانَت عِنْد الْحَنَفِيَّة مَوْجُودَة إِلَّا أَنهم كَانُوا عُلَمَاء راسخين يسمون البُخَارِيّ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْقصاص ذكره صَاحب الْمُحِيط علمُوا النَّاسِخ والمنسوخ فَلم يعملوا بِمَا ثَبت عِنْدهم نسخه وَكَانَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله رجلا كثير الاعتناء بِالْأَخْذِ بِالْحَدِيثِ حَتَّى جوز نسخ الْكتاب بِالْحَدِيثِ لقُوَّة منزلَة الحَدِيث وَعمل بالمراسيل وقدمها على الرَّأْي وَقدم رِوَايَة الْمَجْهُول على الْقيَاس وَقدم قَول الصَّحَابِيّ على الْقيَاس قَالَ نصر بن مُحَمَّد مَا رَأَيْت رجلا أَكثر أخذا للآثار من أبي حنيفَة وَأما الْإِجْمَاع فان أَبَا حنيفَة كَانَ أشده رِعَايَة لَهُ لم يَجْعَل الِاخْتِلَاف السَّابِق مَانِعا عَن الْإِجْمَاع اللَّاحِق وَاعْتبر الاجماع السكوتي أما