أن صيغة الأمر هل دلت التزامًا؟ وهذا الذي قررناه هو الذي اقتضاه كلام إمام الحرمين، فإنه حكى اختلاف أصحابنا في أن الأمر بالشيء نهي عن أضداد المأمور به، ثم قال: "وأما المعتزلة فالأمر عندهم هو العبارة، وهو قول القائل: افْعَلْ، أصواتٌ منظومة معلومة، وليس هي على نظم الأصوات في قول القائل: لا تَفْعل، ولا يمكنهم أن يقولوا: الأمر هو النهي" (?). وهذا هو مقتضى كلامه في "التلخيص" (?) الذي اختصره من "التقريب والإرشاد" للقاضي أبي بكر.
فَحَصَلْنا مِنْ هذا على أنَّ القائل: بأن الأمر بالشيء هو نفس النهي عن ضده - إنما كلامه في النفسي، وأن المتكلمين في النفسي يقع اختلافهم على مذاهب:
أحدها: أن الأمر بالشيء نفس النهي عن ضده، واتصافه بكونه أمرًا نهيًا بمثابة اتصاف الكَوْن الواحد بكونه قريبًا من شيء بعيدًا من غيره.
والثاني: وهو الذي مال إليه اختيار القاضي في آخر مصنفاته أنه ليس هو، ولكن يتضمنه (?).
والثالث: أنه لا يدل عليه (?) أصلًا، وإليه ذهب إمام الحرمين