عن الله تعالى فهو في هذا المقام مبلِّغٌ وناقِلٌ عن ربّ العالمين كما ينقل الرواة لنا أحاديثه، فالمحدثون ورثوا عنه هذا المقام كما ورث عنه المفتي الفتيا.

وإذا اتضح بهذا الفرق بين الراوي والمفتي لاح الفرق بين تبليغه - صلى الله عليه وسلم - عن ربه وبين فتياه في الدّين بهذا الفرق بعينه.

وأما تصرفه - صلى الله عليه وسلم - بالحكم (?) فهو مغاير للرسالة والفتيا؛ لأنَّ الفتيا والرسالة تبليغٌ محضٌ واتباعٌ صِرْفٌ، والحكمُ إنشاء وإلزام من قبله - صلى الله عليه وسلم - بحسب ما يسنح من الأسباب والحجاج، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم انْ يكون ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له في شيء من حق أخيه فلا يأخذه إنما أقتطع له قطعة من النار" (?) دلّ على أنّ القضاء يتبع الحجاج وقوّة اللحن به فهو - صلى الله عليه وسلم - في هذا المقام منشئ وفي الفتيا والرسالة مبلِّغ متَّبِع، وهو في الحكم أيضًا متبع لأمر الله تعالى له بأن ينشئ الأحكام على وفق الحجاج والأسباب؛ لا أنّه متبع في نقل ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015