فإن قلت: فقد ملتم في أكثر هذه المسائل إلى القول بالمصالح فلم لم تلحقوا هذا الأصل بالكتاب والسنة والإجماع (?) والقياس وتجعلوه أصلًا خامسًا.
قلت: من ظنّ أنَّه أصل خامس أخطأ؛ لأنّا رددنا المصلحة إلى حفظ مقاصد الشرع وهي معروفة بالكتاب والسنّة والإجماع، فكلّ مصلحة رجعت إلى حفظ مقصود شرعي علم كونه مقصودًا بهذه الأدلة فليس هذا خارجًا عن هذه الأصول لكنّه لا يسمى قياسًا بل مصلحة مرسلة، إذ القياس له أصل معين وكون هذه المعاني مقصودة عرفت لا بدليل واحد، بل بأدلة كثيرة من الكتاب والسنّة وقرائن الأحوال وتفاريق الأمارات فتسمى لذلك مصلحة مرسلة (?).
قال الغزالي: وإذا فسرنا المصلحة بالمحافظة على مقصود الشرع فلا وجه للخلاف فيها بل نقطع بكونها حجة، وحيث جاء خلاف، فهو عند تعارض مصلحتين ومقصودين وعند ذلك يرجح الأقوى.
ولذلك قطعنا بكون الإكراه مبيحًا لكلمة الكفر والشرب لأنَّ الحذر من سفك دم أشدّ من هذه الأمور ولا يباح به الزنا لأنَّه في مثل محذور الإكراه، فإذن منشأ الخلاف في مسألة التترس الترجيح؛ إذ الشرع ما رجح الكثير على القليل في مسألة السفينة ولا رجح الجزئي على الكلي في قطع اليد المتآكلة، وهل يرجح الكلي على الجزئي في مسألة التترس؟ فيه