الصحابة لما رآهم يتكلمون في مسألة القدر وإذا كان منهيا عنه فلا يكون واجبا فيكون التقليد جائزا
وأجيب عنه بمنع كون النظر منهيا عنه والآيات محمولة على النهي عن الجدال بالباطل جمعا بين الأدلة فإن قوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 1} {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 2} وأثنى الله تعالى على الناظرين بقول: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ 3} وأما الحديث فلعل النبي صلى الله عليه وسلم لما علم صحة اعتقادهم وحقيقة يقينهم بما تلقوه عنه وشاهدوا من المعجزات الخوارق علم أن الجدال بعد ذلك لا يفيد شيئا وربما ورث شكا فنهاهم لذلك أما الشارح الذي لم يثبت عنده شيء فكيف لا يجب عليه السعي في إثبات يقينه والذب عن تأكيد دينه
ومنها أن النظر فيه مظنة الوقوع في الشكوك والشبهات والخروج إلى البدع وأجيب بأن التقليد لا بد أنه ينتهي إلى النظر والاستدلال لامتناع التسلسل وحينئذ ما ذكرتم من المحذور لازم التقليد مع زيادة محذور احتمال كذب المقلد فيما أخبر به المقلد عن اعتقاده وأما المانعون فاعتصموا بوجوه منها أن تحصيل العلم في أصول الدين كان واجبا على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: "فأعلم أنه لا إله إلا الله" فيكون واجبا على أمته بقوله فاتبعوه ومنها أن التقليد مذموم شرعا في قوله تعالى حكاية عن قوم في معرض الذم لهم {إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ 4} ووجوه الحجج في المسألة عديدة وقد ذكرنا أن محلها علم الكلام فمن أراد الإحاطة به فهو محال على كتبه وبنجاز هذه المسألة تم هذا الشرح المبارك أسأل الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم موجبا للفوز لديه وأن يعم النفع به بمحمد وآله وصحبه
وقد راعينا فيه جانب التوسط لأن الكتاب مختصر فالأليق بشارحه أن يحذو حذوه ولا يتعدى ممشاه فوق خطوة وقد كنا نروح ونغدو على المسألة وربما لم