رب يسر وأعن يا كريم
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فكلما وقع ابتلاء جديد للدعوة فإن المتبادر إلى الذهن عند الكثير من أبنائها أن السبب في هذا الابتلاء هو طبيعة الصراع بين الحق والباطل، فالباطل يكره الدعوة، ويتمنى زوالها، ويسعى للقضاء عليها أو تحجيمها، ومن ثمَّ يتحيَّن أي فرصة مواتية لتكييل الضربات لها مستخدمًا كل ما يمكن استخدامه من أدوات التنكيل والتشويه المختلفة.
ويتبادر إلى الذهن أيضًا أن الابتلاء سنة ثابتة من سنن الدعوات، وأنه من علامات الصدق، والسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق الأهداف، وكيف لا والتاريخ يؤيد هذه الحقيقة، والقرآن يؤكدها {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31]. {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ - وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [الروم: 2 - 3].
ومما لا شك فيه أن هذا التحليل الجيد لحدث الابتلاء له فوائده العظيمة في طمأنة القلوب بأن الدعوة تسير في المسار الصحيح، ومن ثمَّ فهو يصرف عن نفوس أبنائها كل مسببات الوهن والتيئيس والتخذيل التي يحلو لبعض أصحاب الشهوات والشبهات أن يروجوا لها مع كل ابتلاء جديد يصيب الدعوة.
ومع هذا التحليل الذي ينبغي ألا يفارق الأذهان، إلا أنه وحده لا يكفي إذا ما أردنا أن تصبح الصورة مكتملة، والرؤية شاملة من كل الجوانب، وبالتالي تحسُن استفادة الدعوة من حدث الابتلاء، ويكون بمثابة فرصة عظيمة لضبط إيقاع الحركة، والانطلاق بقوة إلى الأمام نحو تحقيق أمل الأمة جميعها.
وإذا ما أردنا الاستفادة من حدث الابتلاء لمصلحة الدعوة، فإن هناك بعض النقاط التي لابد من وضعها في الاعتبارـ بالإضافة إلى ما يراه أهل الاختصاص والقائمون على الدعوة مما يفتح الله به عليهم.
أولى هذه النقاط:
ضرورة التحليل العميق والمتكامل لحدث الابتلاء
الابتلاء حدث من الأحداث غير السارة التي تمر بالدعوة، فلا يوجد من يتمنى وقوعه، وكيف لا يكون الأمر كذلك والكل يعلم الآثار التي يخلفها هذا الحدث من اضطراب ولو وقتي في الحركة، وتعطيل تنفيذ بعض الأعمال، وحرمان الدعوة من كفاءات تحتاجها، بل إنه في بعض الأحيان يعود بالدعوة إلى الوراء.
معنى ذلك أن حدث الابتلاء لا ينبغي أن يمر بسهولة على أهل الدعوة، بل لابد أن يتم تحليله من كل جوانبه، ومعرفة أسبابه الحقيقية وليست الشكلية ومن ثم الاستفادة القصوى منه.
وإننا حين نفعل ذلك فإنما نهتدي بهدي القرآن، الذي نجده يقف وقفة طويلة مع أحد الابتلاءات التي مرت بها الدعوة في الجيل الأول، ذلكم هو انتصار ثم انكسار المسلمين وهزيمتهم في أحد.
فالمتأمل للآيات التي تتحدث عن هذه الغزوة في سورة آل عمران يجدها آيات كثيرة تناولت الحدث من كل جوانبه، وحللت الأسباب، وكشفت مواضع الضعف التي ظهرت في الصف المسلم ..