وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ بِأَقْبَحِ الْخَلَفِ، وَعَظُمَتِ الْبَلِيَّةُ، وَاشْتَدَّتِ الرَّزِيَّةُ وَظَهَرَ الْمُبْتَدِعُونَ، وَتَنَطَّعَ الْمُتَنَطِّعُونِ، وَانْتَشَرَتِ الْبِدَعُ، وَمَاتَ الْوَرَعُ، وَهُتِكَتْ سُجُفُ الْمُشَايَنَةِ، وَشُهِرَ سَيْفُ الْمَحَاشَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَمْرُهُمْ هَيِّنًا، وَحَدُّهُمْ لَيِّنًا وَذَاكَ حَتَّى كَانَ أَمْرُ الْأُمَّةِ مُجْتَمِعًا، وَالْقُلُوبُ مُتَآلِفَةً، وَالْأَئِمَّةُ عَادِلَةً، وَالسُّلْطَانُ قَاهِرًا، وَالْحَقُّ ظَاهِرًا، فَانْقَلَبَتِ الْأَعْيَانُ، وَانْعَكَسَ الزَّمَانُ، وَانْفَرَدَ كُلُّ قَوْمٍ بِبِدْعَتِهِمْ، وَحُزِّبَ الْأَحْزَابُ، وَخُولِفَ الْكِتَابُ، وَاتُّخِذَ أَهْلُ الْإِلْحَادِ رُءُوسًا أَرْبَابًا، وَتَحَوَّلَتِ الْبِدْعَةُ إِلَى أَهْلِ الِاتِّفَاقِ، وَتَهَوَّكَ فِي الْعُسْرَةِ الْعَامَّةُ وَأَهْلُ الْأَسْوَاقِ، وَنَعَقَ إِبْلِيسُ بِأَوْلِيَائِهِ نَعْقَةً فَاسْتَجَابُوا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَأَقْبَلُوا نَحْوَهُ مُسْرِعِينَ مِنْ كُلِّ قَاصِيَةٍ، فَأُلْبِسُوا شِيَعًا، وَمُيِّزُوا قِطَعًا، وَشَمَتَتْ بِهِمْ أَهْلُ الْأَدْيَانِ السَّالِفَةِ، وَالْمَذَاهِبِ الْمُخَالِفَةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا عُقُوبَةٌ أَصَابَتِ الْقَوْمَ عِنْدَ تَرْكِهِمْ أَمْرَ اللَّهِ، وَصَدْفِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَمَيْلِهِمْ إِلَى الْبَاطِلِ، وَإِيثَارِهِمْ أَهْوَاءَهُمْ، وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عُقُوبَاتٌ فِي خَلْقِهِ عِنْدَ تَرْكِ أَمْرِهِ، وَمُخَالَفَةِ رُسُلِهِ، فَأُشْعِلَتْ نِيرَانُ الْبِدَعِ فِي الدِّينِ، وَصَارُوا إِلَى سَبِيلِ الْمُخَالِفِينَ، فَأَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِينَ، وَصِرْنَا فِي أَهْلِ الْعَصْرِ الَّذِينَ وَرَدَتْ فِيهِمُ الْأَخْبَارُ، وَرُوِيَتْ فِيهِمُ الْآثَارُ