فكان من رشاد عمر ونصحه لله ولرسوله ولجماعة المسلمين، وذلك بتوفيق الله له: أن جعل الأمر بعده شورى في ستة نفر من المهاجرين الأولين ممن شهد الله لهم بالرضى عنهم، فشهدوا بيعة الرضوان، ومن شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، أصحاب -[44]- حراء وأهل -[45]- بدر والحديبية ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وأخرج -[46]- ولده وعصبته منها، وقال لهم: "إذا أجمعتم على واحد منكم فهو -[47]- الخليفة عليكم"، وكانوا ستة رهط: عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبدالرحمن، فاجتمعوا ثلاثة أيام متوالية لا يألون جهدا والأمة نصحا، فرضوا أجمعون بعثمان بن عفان رضي الله عنه، فكان أول من بايعه علي بن أبي طالب وبقية الرهط، ثم على أثرهم جميع الصحابة من المهاجرين والأنصار وهم به -[48]- وبخلافته راضون، لم يختلف فيه اثنان، ولم تفترق فيه فئتان، وذلك لما عرفوا من فضله، وسبق إسلامه وتقديم رسول الله له، وما كان من عظيم عنائه في الإسلام، وحسن بلائه، وكثرة مناقبه وسوابقه، والمآثر التي كانت منه في مصالح المسلمين وتأييد الإسلام، حتى شاعت وذاعت وكثرت فشهرت، لا يشكك فيها أحد تذوق طعم الإيمان، ولا أحد تنشق روائح الإسلام، ولا ينكرها ويأبى قبولها إلا عبد شقي يغمص الإسلام وأهله، قد غل صدره -[50]- ونغل قلبه وحُرِم التوفيق، وعُدِل به عن الرشاد، وغلبه الهوى، فحل به الشقاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015