الْمُكَلّفين فَلَا يجوز لأحد الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ فِي ترك الْعَمَل بتكاليف الشَّرِيعَة أمرا أَو نهيا لِأَن ذَلِك مَا تَقْتَضِيه نُصُوص الْكتاب وَالسّنة وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فالإيمان بِالْقدرِ دون الْعَمَل بالشريعة هُوَ مَذْهَب الجبرية كَمَا أَن التَّمَسُّك بتكاليف الشَّرِيعَة دون الْإِيمَان بِالْقدرِ هُوَ مَذْهَب الْقَدَرِيَّة وَلَا شكّ ان كلا من المذهبين بَاطِل رد عَلَيْهِمَا عُلَمَاء السّنة فِي كل زمَان وَمذهب أهل السّنة يُوجب الْإِيمَان بِالْقدرِ مَعَ الْعَمَل بتكاليف الشَّرِيعَة دون احتجاج بِالْقضَاءِ وَالْقدر فِي ارْتِكَاب الْمعاصِي وَترك الْوَاجِبَات لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه لما سَأَلُوهُ عَن ذَلِك اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ
قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية إِن الْقدر نؤمن بِهِ وَلَا نحتج بِهِ فَمن احْتج بِالْقدرِ فحجته داحضة وَمن اعتذر بِالْقدرِ فعذره غير مَقْبُول وَلَو كَانَ الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ مَقْبُولًا لقبل من إِبْلِيس وَغَيره من العصاة وَلَو كَانَ الْقدر حجَّة لم يقطع سَارِق وَلَا قتل قَاتل وَلَا أقيم حد على ذِي جريمة وَلَا جوهد فِي سَبِيل الله وَلَا أَمر بِمَعْرُوف وَلَا نهي عَن مُنكر وَقد سُئِلَ رَسُول الله عَن هَذَا فَقيل يَا رَسُول الله أَفلا نَدع الْعَمَل ونتكل على الْكتاب فَقَالَ اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ وَسلف الْأمة وأئمتهم متفقون على أَن الْعباد مأمورون بِمَا أَمرهم الله بِهِ منهيون عَمَّا نَهَاهُم عَنهُ ومتفقون على الْإِيمَان بوعده ووعيده الَّذِي نطق بِهِ الْكتاب وَالسّنة ومتفقون أَنه لَا حجَّة لأحد على الله فِي وَاجِب تَركه ومحرم فعله بل لله الْحجَّة الْبَالِغَة على عباده وَمن احْتج بِالْقدرِ على ترك مَأْمُور أَو فعل مَحْظُور أَو دفع مَا جَاءَت بِهِ النُّصُوص فِي الْوَعْد والوعيد فَهُوَ أعظم ضلالا وافتراء على الله وَمُخَالفَة لدين الله من أُولَئِكَ الْقَدَرِيَّة وَقد عقد ابْن الْقيم لبَيَان هَذِه الْمَسْأَلَة بَابا خَاصّا عنوانه الْبَاب السَّابِع فِي أَن سبق الْمَقَادِير بالسعادة والشقاء لَا يَقْتَضِي ترك الْأَعْمَال بل يُوجب